4 مايو/ تقرير / رامي الردفاني
ظلت الأغنية العدنية خاصة والجنوبية عامة على مدى القرن الماضي نبراس للتراث والموروث الشعبي ورمزا للهوية الجنوبية، اذ كانت تمثل تاريخ وحضارة شعب الجنوب بما تحتويه من كلمات واشعار رمزية ذات حس فني رائع ووطني يلهب حماس المستمع اليها، تنوعت وتعددت تلك الأغاني بين العدنية واللحجية والحضرمية والشبوانية والأبينية والمهرية بحسب هوية ولون كل محافظة، فكانت لأشعار المحضار والقمندان وغيرها الأثر الكبير في احياء التراث الغنائي الذي مزج بأعذب الالحان ، كما كان للفلكلور والرقص الشعبي آنذاك حضوره المتميز في المحافل الوطنية المحلية والخارجية ، فهاجرت الأغنية الجنوبية الى الوطن العربي والخليج عبر سفرائها من الفنانين الجنوبيين منهم أحمد قاسم والدكتور عبدالرب ادريس والدكتور أبوبكر بلفقية وعبود خواجه ومرسال وغيرهم ممن اعطوا للاغنية مذاق ونكهة خاصة في الاداء واللحن ، وكذلك كانت فرقة الرقص الشعبي وفرق الانشاد حاضرة وبقوة لتبرز الرقصات الشعبية كهوية وطنية جنوبية متجذرة ومتأصلة في وجدان الجنوب العربي، وعلى المستوى المحلي كان لحضور فيصل علوي والمرشدي والعطروش وعوض احمد والعزاني والخليدي وبن بريك وأمل كعدل وكفى عراقي ولول نصيب وكنداره وايمان ابراهيم والهمشري وغيرهم من الأصوات القديمة والحديثة فكانت الأغنية العدنية والجنوبية والفنانيين الجنوبيين يمثلون تاريخ عريق للثقافة الجنوبية التي تمثل من افضل الثقافات الفنية في الوطن العربي، فكان لها الاثر الكبير في وجدان المستمع عبر التلفزيون والاذاعة.
كما كان للأغنية الثورية في الجنوب دلالات تاريخية في حب الوطن والهاب حماس الجمهور والشعب فكانت مصدر الهام للمناضلين في جبهات القتال، اجمالا كان ذلك العصر عصر الابداع والفن الجميل الذي لايضاهيه زمان.
" طمس وتهميش"
حيث بعد الوحدة اليمنية المشؤومة قضى الاحتلال اليمني على كل جميل في الجنوب ' في محاولة منه لطمس وتهميش الهوية الجنوبية بمافيها التراث والموروث الشعبي والفن والرقص الشعبي ، فتراجعت الأغنية العدنية والجنوبية ، وغابت قرائح الشعراء الا فيما ندر، فقد تم تهميش الفنانين من المشاركات العربية وعدم رعايتهم ودعمهم وكذا الاستيلاء على الاشعار والاغاني التاريخية ونسبها لفنانيين يمنيين وذلك لمحو وطمس الهوية العدنية والجنوبية، كما عانى الشعراء والفنانين الجنوبيين وفرق الرقص الشعبي من الأهمال والتهميش وعدم الاهتمام بهم ورعايتهم ، بينما كان هناك على الطرف الآخر فنانيين يمنيين لايوازون فناني الجنوب تبذل حكومة الاحتلال اليمني الكثير لتحفيزهم وتشجيعهم بل صرف الحوافز والمرتبات وايفادتهم للخارج لتمثيل الوطن في المحافل الخارجية على حساب الفنان الجنوبي الذي له تاريخ عريق في الفن والثقافة.
" جهود المجلس الانتقالي الجنوبي في إعادة الفن الجنوبي والعدني إلى الواجهة"
أمام تلك المعاناة
يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي لاستعادة الريادة والأصالة للفن والأغنية الجنوبية من خلال دعم الفنانيين الشباب ورعاية الفنانين السابقين، واعادة وهج الأغنية والتراث الشعبي والحفاظ على الهوية الوطنية واعادتها للواجهة من جديد لاحياء هذا التراث المتجذر في أعماق التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل.
" مهرجان الأغنية العدنية الأول "
في سبيل اعادة وهج الأغنية العدنية والجنوبية الى سابق عهدها ، حيث تواصل إدارة الإعلام والثقافة في الهيئة التنفيذية لانتقالي العاصمة عدن، التحضيرات لإقامة "مهرجان الأغنية العدنية الأول"، الذي يهدف إلى إحياء التراث الغنائي الجنوبي والحفاظ على إرثه الثقافي والتاريخي، وهذا ما أعلنت لجنة المهرجان عن برنامج العمل والمهام الموكلة لإنجاز هذه التظاهرة الفنية التي سيتخللها العديد من الأنشطة الغنائية والتراثية والثقافية الهادفة إلى تعزيز الهوية الجنوبية الأصيلة.
" كتاب عرب و جنوبيون .. الجنوب وعدن قبلة الفنانين والفن الغنائي الأصيل"
حيث كتب عدد من الإعلاميين الجنوبيين وعرب عن تاريخ الفن العدني والجنوبي وعن تاريخ الفنانين الذي صدح صوتهم في الحاضر والماضي والمستقبل وجاءت تلك الكتابات على النحو التالي:
حيث كتبت الإعلامية نور علي صمد في هذا الصدد قائلة : حيث بدأت الحركة الفنية في عدن منذ خمسينيات القرن الماضي وأن كان قبل ذلك باعتبار عدن كنت قبلة لكل الفنون وظلت مستمرة بكل أشكالها وفنونها متأثرة بالثقافات الأخرى التي وجدت جراء وجود جاليات متعدده الاعراق والأجناس قدموا من الدول المستعمرة من قبل بريطانيا آنذاك وتبلورت بعد ذلك الفنون التراثية والغنائية الشعرية العدنية قدمها عمالقة الادب والشعر في عدن أمثال الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان ومحمد سعيد جراده وفنانيبن أصبحوا فيما بعد عمالقة مثل الفنان الموسيقار احمد قاسم ومحمد مرشد ناجي و محمد سعد عبدالله وعوض احمد حميدان وابو بكر بلفقية وغيرهم وهم كثر انتشروا في ربوع الوطن وخارجه وظلت الحركة الفنية والثقافية ساطعة بفضل الحفلات والليالي الموسيقية والمناسبات الوطنية.
واضافت بالقول: حيث صدحت الأغنية العدنية والجنوبية وانتشرت في كل دول الجوار والاقليم بفضل فنانينا الكبار ممن صنعوا تاريخ الفن المعاصر في عدن خاصة والجنوب عامة إلا أن هذا الزخم تلاشى رويدا رويدا حتى ذبل منتصف التسعينات في الحقبة الوحدة اليمنية المشؤومة ومعها تراجعت الحركة الفنية بمختلف الوانها ولم يبقى سوى اسمها.. إلا أن الفن العدني والجنوبي سيبقى خالداً في وجدان قلوبنا وقلوب أجيالنا القادمه واللاحقة لانه مرصع بالذهب وساكن جوا جوارحنا .
فيما كتبت الاديبة والناشطة السياسية الجنوبية هدى العطاس في مقالة قديمة لها جاء فيها «المرشدي كان ثورة لوحده لم يكن الفنان الكبير محمد مرشد ناجي صوتاً جميلاً ولا مغنيا رائعاً فحسب، بل كان حالة ثقافية إبداعية فنية ساهمت في تشكيل ذاكرة الجنوب وتاريخه المعاصر، فقد تناهت اجادته لكل انواع الغناء وطرق كل مضامينه، غنى للعشق وللثورة وللوطن، لمز الساسة والسياسة بأغاني لاذعة كانت لسان حال الشعب المنكوب بحكام ونظام لطالما ساط شحنات غضبهم بصلافة اجهزته وصادر حق تعبيرهم بتكميم عقولهم قبل افواههم. ولم يكن سوى الفن مسرابا يرمز هموم الناس في اغان المرشدي وقصائد المحضار واخرين.
واضافت العطاس قائلة : كان فناننا الكبير مثقفا ثقافة عالية لحن وكتب وبحث في التراث الغنائي وترك مؤلفات مهمة ستكون منهلا للأجيال القادمة.
من جانبه كتب أحمد بوصالح في رحيل أحد أعمدة الفن العدني حيث قال في رحيله «نعم رحلت أيها الفنان العدني الجنوبي الكبير رحيل الشهداء الأبطال فأنت استشهدت برصاص الاهمال والنكران اليمني الذي لا يختلف في شيء عن الرصاص الناري للاحتلال اليمني الحي الذي به استشهد آلاف الرجال من بني جلدتك، رحلت في وقت كان شعبك الجنوبي يحضر ويستعد فيه لاحياء ذكرى يوم الشهيد الجنوبي الذي تعد أنت أحدهم».
كما كتبت الإعلامية الكويتية ليلى الخطيب عن الفنان العدني المرشدي التي أجرت معه لقاء صحفيا قبل مماته باسبوع فتقول عنه «لم أكن أتوقع انا شخصياً بأنني في هذة اللحظات ساسطر كلمات في رحيلك المباغت، قبل انتهائي من تفريغ الكاسيت الغالي على نفسي فهو وثيقة مهمة جدًا حظيت بها من لقائي بك ويضم في طياته تسجيلاً صوتياً خالداً ورائعأ يا فنانا الكبير محمد مرشد ناجي، وحرصت انا كثيراً للالتقاء بك وشرفني ويشرفني مدى العمر أن حظيت بالجلوس والحديث معك وكان لقائي الأول والأخير بك وشاءت الأقدار يكون قبل أسبوع واحد فقط من رحيلك».
واضافت الخطيب بالقول : نحن هنا في الكويت ليس محمد مرشد ناجي وغالبية الفنانين العدنيين غريبين علينا.
وأشارت الصحيفة الخطيب بالقول: فالكويتيون عشاق للأغنية العدنية ويطربون لها وكثير من فنانينا وملحنينا قد اقتبسوا ألحانهم من الغنائيين العدنيين والحضارمة قد زاروا الكويت وشاركوا في الكثير من الحفلات الغنائية التي كانت تقيمها وزارة الإعلام الكويتية بمناسبة الاعياد الوطنية.
حيث يعتبر الفنانين الجنوبين كانوا فعلاً فنانين مناضلين فقد كانوا يحملون فنهم ويجوبون البلدان العربية ولاسيما القاهرة وبلدان الخليج العربي لأجل تعميق تاريخ هويتهم في جذور اعماق بحار الثقافات والحضارات العربية والخليجية.