الجمعة - 10 يناير 2025 - الساعة 02:17 م بتوقيت عدن ،،،
4مايو/د. أمين العلياني
الثقافة أساس التقدم والازدهار والإصلاح، وهي سبب التغيير الحقيقي في حياة المجتمعات، ولا يمكن لأي مجتمع أن يصل إلى أهدافه ورقيه إذا لم تلامس الثقافة تفاصيل حياته وجزئياته، والمشاهد والصور في السوشل ميديا ماثلة أمام الجميع، في حين ما تزال الثقافة هي الزاوية العاكسة في بنية الوعي الإعلامي
والصحفي، كي يعيش في مستوى ناضج بالقدرات الثقافية والوعي العميق بمحتوى السياسة التي يريد يعبر عنها بذكاء ولياقة تستحق الفخر والاعتزاز.
لذلك، إذًا ما أريد قوله هو : لكي تكون الثقافة عنصرًا أساسيًّا وفاعلًا في الاتصال التفاعلي عبر وسائل الإعلام الحديث، فلا بد من البحث عن أهم المؤثرات التي أنتجها العصر التقني وأثرها في وعلى الثقافة والمعرفة، خصوصًا وأن ثقافة الاعلامي والصحفي الحاسوبية باتت في الجنوب اليوم ضرورة، وأصبحت مطلبًا مؤثرًا،
تتجاوز الذهنية الورقية، وباتت تعرف تحديات النشر الإلكتروني وآثارها الكبيرة في حياة الأجيال والأمم.
ومن هنا أصبحت الرسالة الإعلامية والصحفية الجنوبية بأطروحاتها الثقافية مراعية للتغييرات الجديدة في حياة الإنسان في الجنوب، ومدى انعكاساتها، وأثرها في التعامل مع الثقافة الاتصالية والتكنولوجية الإيجابية التي تتواصل مع شرائح متنوعة، سواء أكانت فردية أم جماعية، حتى وصلت إلى رؤية دقيقة تتجاوز شروط الانفتاح، وتكون تلك الثقافة هي الرقيب الحقيقي داخل الفرد.
إنّ الأبعاد الثقافية في الرسالة الإعلامية والصحفية الجنوبية بما فيها من موروث وحداثة، صارت قادرة على تقديم القدرة على التكيف مع المستجدات التكنولوجية والرياضيات الفلسفية التي تنطلق منها، فضلًا عن الممارسات المحتملة في وسائل الإعلام الحديث، التي تشغل الفكر الإنساني نظرياتها وأدواتها ووسائلها وسائطها ووظائفها وشرعيتها، لذلك جاءت الرسالة الإعلامية والصحفية الجنوبية موافقة لهذه الآليات في نشر ثقافة واعية لدى جمهورها المتلقين؛ لكي تتوازى المعادلة بين منتجات المتغيرات الثقافية في وسائل الاتصال التفاعلي ومتلقيها وأقصد بها (القارئ) في إطار لغوي مشترك، حينها تتواصل عناصر الإنتاج مع القراء، وتبقى الثقافة بمرجعيتها ومكتسباتها وأدواتها أساس النهضة والتنمية في وسائل الإعلام والاتصال والتعبر، ما ينعكس على بنية الفرد وثقافته ومعرفته وفكره وتواصله مع محيطات واسعة في الشبكة العالمية الجديدة.
وعند التفحص لمضمون الرسالة الإعلامية والصحفية الجنوبية نجدها رسالة إعلامية وصحفية تتواكب مع مضامين الثقافة العربية الجادة قيمًا وأصالة ومواكبة بين التراث وحداثته، وتتشكل في موقف الإعلامي والصحفي والمثقف الجنوبي مع ما توازيه قدراته العقلية؛ لتكون قادرة على مواكبة المستجدات التي فرضتها التكنولوجيا الحديثة، وتبدو معها المضامين الثقافية الجنوبية محمية من معاول الهدم والتخريب، والتفكك والغربة والانسلاخ عن القيم والمثل، وتفتت الأواصر، وليس هذا فحسب، بل جاءت الرسالة الإعلامية والصحفية لدى كاتبها وناشرها مواءمة مع متطلبات العولمة والثقافات المختلفة التي فرضتها الحداثة؛ حتى بدت ثقافة الإعلامي والصحفي الجنوبي وهي تنسرب من أفكاره، وتنداح في مضامين كتابته، ومنشوراته وتتجلى في نبرات صوته على وفق ضوابط متقنة تدعو إلى المواءمة بين ماضي تراثه بقيمه وثقافته، ومواجهة حاضره، واستقبال آفاق مستقبله بإشراطات الحداثة التي صقلها الوعي الثقافي على خط متوازن، يعمل على مناحي التوأمة بين الحداثة والتطور من جهة، والأصالة والتراث من جهة أخرى، حتى لا يظهر ماضي التراث على أنه مسخٕ إلى الحد الذي لا تقبل به ثقافات المجتمع وحضارته، وتحاول على هدم نسيجه، وتخرب أخلاقه وقيمه، بل على العكس من ذلك فقد جعلت ماضي التراث يسير على خط متوازن مع التطور والتحديث.
وفي زمن العولمة بات المنتج الثقافي اليوم واجب الحديث عن قضايا تواجه الإعلامي والصحفي وحتى المثقف العام في الجنوب، التي يتوجب أن يفعلوا خواص التفكير والعقل معًا أزاءها، حتى يكونوا على قدرة واضحة في أخذ المفيد الذي يعزز من بناء مجتمعهم، ويرفضوا المسيء الذي يدمر قيمهم، ويجب ألا يكون العقل مشدودًا إلى الخلف، أو جامدًا في مكانه وزمانه؛ بل يجب أن يكون مستنيرًا قادرًا على التطلع بأمل إلى مستقبل واعد وأفضل؛ لأن التحدي الذي يواجهه الإنسان في المجتمع الجنوبي بصورة خاصة أو العربي بصورة عامة ليس اختيارًا بين الرجوع إلى الأصل أو مسايرة العصر، وإنما إثبات استقلاله إزاء ثقافة الآخر إلى الحد الذي يجعله لا يتماهى معه، بل يجعله قادرًا على ابتداع حلول من صناعة عقله كي يعمل من خلاله على تأسيس مداميك تاريخ مجتمعه الخاص بهويته وانتمائه، وواقعه وبيئته؛ وعندها يستطيع أن يكفل المكان الذي يليق به في إطار مشروعه السياسي الذي يناضل على تحقيقه وبكل السبل على إستعادة دولته ذات السيادة والجغرافيا بحدود عام 1990م.
ولكي تكون الثقافة هي الهوية والانتماء في بنية الخطاب الإعلامي والصحفي في الجنوب وجب التنويه والإشارة إلى ما يجب أن يتمتع به هذا الخطاب الإعلامي والصحفي من وعي معرفي كبير، وحذق فكري عميق يصنع النوافذ الثقافية الخاصة والمستنيرة المتفتحة كي يواجه بها هذا الخطاب الإعلامي والصحفي الثقافات الوافدة؛ لأن الانفتاح الذي يعتمد على وعي معرفي كبير، وحذق فكري عميق ومستنير يصبح وحده قادرًا على الصمود والانتصار أمام فوضوية هذا الانفتاح؛ وبهذا ينتهي القلق الثقافي أمام خطورة الثقافات الوافدة.
ومن هنا يقتضي التوضيح إلى ما يحتاجه المثقف العام والإعلامي والصحفي في الجنوب في مواجهة التحديات الحاضرة في إطار ثقافة الحداثة على عمومها، وهو أن يفهم ماضيه فهمًا عميقًا بتراثه ومنجزاته، والحاضر بقلقه وإبداعاته ومفارقاته وإسهاماته ومراراته، والمستقبل بغموضه وإشراقاته، ولكي يكون هذا المثقف إعلاميًّا وصحفيًّا أو مذيعًا وكاتبًا أو محللًا وناشرًا يجب أن يكون قادرًا على مواجهة التحديات الداخلية التي تتمثل في الأمية والجهل وتحدياته، والتفكك الذي بات يمس المجتمعات وثقافتها تحت نزعات مختلفة طائفية ومذهبية أو جهوية أو عصبية، وفئوية أو دينية متطرفة.
والأمم الحضارية في هذا العالم الرحب تحشد كل مكنوناتها ومناهجها وجامعاتها وإنسانها إلى مشاريعها الثقافية القائمة على الوعي الخلاق والمعرفة والعلم والإبداع والابتكار والتفاعلات الإيجابية التي تؤدي إلى التنوع والاختلاف لكي لا يفقد السلوك المتفوق دلالته وحضوره لحساب صور وظلال شاحبة وتنويعات تزيد مساحات الجهل والأمية.
وفي عمق الحديث عن ما يجب أن تحمله الرسالة الإعلامية والصحفية والثقافية نفسها في الجنوب أن تتحمل مسؤولياتها تحديدًا في محاربة التخلف بكل أشكاله وألوانه، ومحاولة تجديد عناصر الوعي، وحرية العقل، وازدهار العلم؛ لأن هذه هي الروافع الحقيقة لوقف حالة التدهور الذي أصابت المجتمعات في العالم الثالث، ومن هنا لا بد أن يعيد أفراد المجتمع العلاقة مع الأفكار وأن تخرج من الأنا المتضخمة التي باتت أساس الخلافات بين المثقفين والأدباء والفنانين والكتاب والمفكرين والصحفيين والإعلاميين الذين يفترض فيهم أن يكونوا قادة المجتمع وأصحاب الفكر والرأي وأساس التقدم.
والمثقفون الحقيقيون سواء أكانوا كتابًا أم آدباءً أم إعلاميين أم صحفيين مثقفين لا يراقبون الناس من أبراجهم؛ بل المثقف النخبوي لا يقبل أن يضع رأسه على وسادته من غير أن يشارك أقرانه همومهم وأحلامهم وآمالهم، وغياب هذه النخبة عن المجتمع يهدد المجتمع الذي سيعتمد على الثقافة الجماهيرية التي يبثها الأجنبي عبر وسائله المتعددة، وأساليبه المتنوعة، وبهذا يتعرض المجتمع للاضمحلال والتردي بصورة سريعة، ومن الخطل أن تختزل الثقافة في أروقة النخبة مع أن حيوية الثقافة وفاعليتها مرهونة بتوسعها وتوسيع قاعدتها الاجتماعية، ولهذا فإن الثقافة ينبغي ألا تكون معزولة عن حركة المجتمع؛ لأن تفاعل المجتمع معها سيغذيها بأسئلة وآفاق جديدة، ولا شك في أن تجديد الثقافة مرهون بتفاعلها مع المجتمع والالتصاق به؛ لأنها لا يمكن أن تتصور آفاقها في أي مجتمع من دون ثقافة،كما لا يمكن أن نحصل على ثقافة من دون تأثير المجتمع.
وما نسعى إليه في هذا الرصد من التحليل في المشهد الصحفي والإعلامي والثقافي هو أن نكون قادرين على استنتاج ثقافة شمولية تصلح للمجتمع والناس جميعّا، لا تعرف العنصرية ولا تعتنق العصبية أو المذهبية والطائفية الضيقة ولا الانغلاق أو التقوقع والتطرف والإرهاب، بل تنطلق في الأرجاء لتتلاقح مع الثقافات الأخرى، فتأخذ النافع، وترفض الضار منها، وليس هذا فحسب، بل نريد ثقافة ألا تكون على الهامش، بل ثقافة تكون قضية وجودية تهم كل فرد في المجتمع، وأن يكون للجامعات مشاركاتها في البحث عن التراجع الذي نراه في الواقع الثقافي، ويجب أن يكون لها الدور الرئيس في القضاء على الفرقة والتخلف ومحاربة الغزو الثقافي المخل، وعلى الإعلاميين والصحفيين والمثقفين أن يعرضوا أفكارهم بوضوح وجرأة من دون أن يعرضوا منابرهم للهدم والسقوط، وأن تكون أفكارهم امتدادًا بين كلماتهم وأفعالهم، وأن يكونوا دعاة أصالة وإلتزام، وأن يسعوا إلى تحقيق ثقافة خلاقة مبدعة، وألا يتركوا جيل الشباب واقفًا على أولى درجات السلم، وليس هذا فحسب، بل لا بد أن يأخذوا بأيديهم ويرفعوا من همتهم وقدراتهم حتى يكونوا معهم في الطليعة والتقدم والازدهار.
والمطلوب اليوم في هذا التحليل الذي يكشف محتوى الرسالة الإعلامية والخطاب الصحفي الجنوبي، ويلزم أن تكون المؤسسات الإعلامية، ومنابر ومواقع الصحافة، واتحادات الكتاب والأدباء على اختلاف وجودها أن تدعم الثقافة، وأن تضع التشريعات والأنظمة التي تهيئ للثقافة حضورها الصحيح في المشهد الجنوبي، وأن ترفد الصحافة ووسائل الإعلام الحديثة من خلال التشويق الصحفي للثقافة، والصحافة صناعة تمتلك أوسع الإمكانات في نشر ثقافة المجتمع في الجنوب، وتعملةعلى تنمية وعيه، والأمل بالصحافة أن تقف إلى جانب المنجز الثقافي كي تضيئه وتعممه وتنشره إلى أكبر مساحة ممكنة.
ومن هنا يبدو التساؤل مشروعًا؛ كيف تبدو علاقة الصحافة ووسائل النشر الإلكترونية بالثقافة، ماذا يريد المثقف من وسائل النشر الإلكترونية والصحافة الإلكترونية؟ الثقافة في حاضرنا هي إحدى وسائل الاتصال الإنساني والحضاري، ومن العناصر الرئيسة الداخلة والفاعلة في صياغة التواصل بين الشعوب والأمم إذا ما توافرت لها إمكانات الانتشار، وهنا تبرز الصحافة ووسائل النشر الجديدة،؛ إذ تعد الإمكانية الأولى المطلوبة لانتشار الثقافة، وهذه الوسائل من القنوات الرئيسة التي تتنفس منها الثقافة، وتبدو العلاقة بينهما من هذا الأساس.
ولو نظرنا إلى الصحافة والمنابر والمواقع الإعلامية لوجدنا أنها استطاعت أن تنشر إبداعات الكتاب في مجالات الأدب والسياسة والاقتصاد والاجتماع والعلوم والتراث والفنون بصورة واضحة، وكانت هي الأداة المهمة وبؤرة الثقافة وجامعة مفتوحة لكل الناس، وينتمي الناس إليها بالسليقة، لذا لا بد أن تكون مقنعة وقادرة على تنمية الفرد القارئ، وأن ترفع حسه الجمالي والفني والثقافي. وهي تكاد تكون أشد تأثيرًا ثقافيًّا من الكتاب؛ لأن القارئ يقرأ الصحيفة، ويحجم عن قراءة الكتاب، وعليه، لا بد أن تكون مساحة الثقافة في الصحافة ووسائل الإعلام الجديد أكبر، وعليها أن تستفز القارئ، والأخبار وتبدو حدها لا تكفي، ولا تعطي رأيًّا، ولا تثير أسئلة.
والصحافة الثقافية المطلوبة، هي تلك التي تحمل مواد متنوعة، ونجد بعض الصحف في المجتمع الجنوبي والعربي تلتفت إلى هذا الدور الثقافي المهم؛ إذ نجد فيها مساحات ثقافية معقولة، ونحن نطالب بالمزيد، وبهذا استطاعت الصحافة أن توثق علاقتها بالثقافة، والقارئ اليوم يريد أن يستفز عقله، وأن ترضي الصحيفة طموحه، القارئ يريد أن يفهم ويفكر ويحلل ويتثقف، وما نتمناه على وسائل إعلامنا الجنوبي أن يعطي جرعات ثقافية أوسع في صفحاته، لأن الصراع بات اليوم هو صراع ثقافي، وليس صراعًا سياسيًّا؛ لأن الثقافة تغيير في الأساس، في حين أنّ السياسة متقلبة، وهي فن المناورة، والسياسة لا تصنع حضارة في حين تقوم الثقافة بهذا الدور والتغيير، تغيير في نمط التفكير، والثقافة وعي شامل، وهذا الوعي يحتاج من الصحافة ووسائل الإعلام كلها إلى أن تلتفت إليه، ونحن في القرن الحادي والعشرين خصوصًا - باتت المتغيرات العالمية تركز على الثقافة بعد انهيار الكتاب، وانحسار دوره، وإذا لم نستطع إعادة دور الكتاب، وهو الأساس، فالمطلوب أن ترفد الصحافة ووسائل الإعلام الجنوبي الثقافة من خلال التشويق الصحفي للثقافة، ووسائل الإعلام الجديدة، إضافة إلى أن الصحافة تمتلك القدرة على الإنتاج، ولديها القدرة على الانتشار والتأثير والخلق الواعي لبناء الإنسان وتنمية وعيه.