"هيا بنا نقتل"!.. قد يكون هذا عنوان للدرس الوحيد الذي تلقنه مليشيا الانقلاب الحوثي للطلاب داخل المدارس في المناطق التي تسيطر عليها، وذلك بعد أن ألزمت مديري المدارس بتحريض الطلاب على ما أسمته "الجهاد ضد العدوان"، والدفع بالطلاب للجبهات وخاصة طلاب المرحلة الثانوية.
وقال شهود عيان في صنعاء، إن مليشيا الحوثي، أجبرت مديري مدارس مديرتي (سنحان وبني بهلول) التابعتين لصنعاء، لإعطاء التلاميذ دروساً في كيفية القتال وذلك لتشجيع الطلاب على الانضمام للقوات التي تحشدهم لدعم انقلابها.
واشتكى مدراء المدارس من هذه الممارسات التعسفية ضد الطلاب كما أنها هددت المدراء المتقاعسين بالفصل وقطع السلال الغذائية والتي تصرف لهم من منظمة الأغذية العالمية بعد قطع المليشيات الحوثية لرواتبهم.
وأصبح أولياء الأمور في المناطق التي يسيطر عليها مليشيا الحوثي يخشون من غسل أدمغة أبنائهم واستغلال حاجتهم وفقرهم لاستقطابهم في صفوف المليشيات الحوثية، كما أنهم يشتكون أيضا من الرسوم الكبيرة التي فرضتها المليشيات على الطلاب.
ووجهت المليشيات في التعميم �مدراء ومديرات المدارس الحكومية� بتفعيل حصص الريادة في كل الفصول الدراسية، بحجة التحذير مما أسمته "الحرب الناعمة" التي تستهدف أفراد جماعتها.
وتتبنى الجماعة منذ سيطرتها على صنعاء برامج خاصة لـ�حوثنة� المجتمع عن طريق المدارس والمساجد ومعممي الجماعة والفعاليات والمهرجانات التي تقيمها بشكل مستمر في الأحياء والقرى لاستقطاب المزيد من السكان إلى صفوفها.
ومنذ إشعالها الحرب تهتم المليشيات بغرس سمومها الطائفية في عقول الأطفال منذ الصغر، في خطوة أولى تهدف اللاحقة لها إلى الزج بهم في ساحات القتال.
ولا يقتصر الدور الحوثي على المدارس فقط من أجل نشر هذه "السموم"، فقد بيّن تقريرٌ أصدره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية مؤخراً، توسّع المليشيات في إجراء عملية "حوثنة" للمجتمع اليمني في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وتستخدم المليشيات المساجد والمنابر الدينية وتقوم بتحويلها إلى مراكز طائفية تخدم أفكارها المستقدمة من إيران، كما أخذت عملية "التطييف الشيعي" تكتسي طابعاً مؤسسياً، حيث تقوم المليشيات بتغيير المناهج والكتب المدرسية بشكل جذري، وفرضوا أيديولوجياتهم، كما أضفوا طابعاً طائفياً على مناهج التاريخ والدين.
وقال وزير التربية والتعليم في حكومة هادي، عبدالله لملس، إن الحوثيين ارتكبوا سلسلة طويلة من الانتهاكات والجرائم ضد مؤسسات التعليم، منذ الانقلاب العسكري الغاشم على الشرعية عام 2014، فضلاً عن محاولاتهم المستمرة لـ�حوثنة التعليم اليمني� عبر تغيير المناهج التعليمية حتى توافق أفكارهم الطائفية.
وأضاف أن من بين الانتهاكات والجرائم الحوثية في قطاع التعليم، تحويل المدارس لثكنات عسكرية ومستودعات أسلحة ومراكز لإطلاق صواريخ والتدريب، ليدمروا أجزاءً كبيرةً من البنية التحتية لوزارة التربية والتعليم، كذلك أدت تصرفات الميليشيات الغوغائية إلى توقف الدراسة بشكل كامل في بعض المناطق.
ونقل الوزير عن تقرير صدر عن منظمة �اليونيسيف� بأن أكثر من 3600 مدرسة أغلقت أبوابها، وأن ما لا يقل عن 248 مدرسة تضررت بصورة مباشرة، في حين تحولت 270 مدرسة أخرى لأماكن لإيواء النازحين و68 مدرسة احتلها الحوثيون، وحرمت الميليشيات الحوثية أكثر من 2.5 مليون طالب يمني من التعليم.
قال لملس إن الحوثيين قاموا بحملة إجبارية لجباية الأموال من الطلاب مباشرة تحت مسمى �دعم المجهود الحربي� و�دعم البنك المركزي�، ثم تحول الأمر فيما بعد إلى فرضها كرسوم مدرسية على الطلاب شهريا حيث بلغت قيمتها 500 ريال يمني للمرحلة الابتدائية، و1000 ريال للمرحلة الإعدادية، و1500 ريال للمرحلة الثانوية.
وذكر لملمس أنه على مدى الأعوام الأربعة الماضية، سعت الميليشيات الحوثية إلى تغيير المناهج التعليمية، خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية بشكل يخدم أفكارها وأيديولوجياتها، حيث عملت على تكريس تعليمات وصور ودروس مؤسس ميليشيا الحوثي بدر الدين الحوثي، وتم حذف الفتوحات الإسلامية وسير الصحابة وأمهات المؤمنين زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- من المناهج التعليمية.
وأشار إلى ما كشفت عنه إحصائيات لمراكز متخصصة عن 24 حالة اختطاف لمدرسين، و24 حالة اعتداء جسدي مباشر، و18 حالة فصل تعسفي، و19 انتهاكاً في مجال تغيير المناهج التعليمية لجعلها متوافقة مع أفكار الحوثيين الطائفية، و29 اعتداء نفذه مسلحو الحوثي ضد طلاب المدارس، وذلك كله في عام واحد فقط.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة �اليونيسيف�، من خطورة الوضع التعليمي على مستقبل أطفال اليمن، خاصة مع تصاعد الحرب التي فرضتها الميليشيات وتصف �يونيسيف� عبر ناطقها الرسمي كريستوف بولياك، لافتا إلى أن قطاع التعليم في اليمن على حافة الانهيار.
ولا تختلف أساليب الترغيب والترهيب التي تمارسها ميليشيات الحوثي مع المدرسين عنها مع الطلاب، ففيما تغري المدرسين بالسلال الغذائية والطلاب بالدرجات والنجاح، ترهبهم بالفصل من الوظيفة أو بالاختطاف للمدرس والرسوب للطالب.
ويقول معلمون بمنطقة بني الحارث التابعة لصنعاء، إن �حضور الطلاب الوقفات الاحتجاجية والمسيرات إلزامي وكذلك إحياء كل الفعاليات (أسبوع الشهيد، وكربلاء والحسين، ومولد الزهراء، ويوم الغدير) حيث تجبر الميليشيات المدارس على إحيائها ويتم تحميل مدير المدرسة المسؤولية إذا قصر في التوعية كما يرهبون الطلاب بالدرجات�.
ويضيفون: �تفرض المليشيا المشاركة المالية الإجبارية لكل أنشطة وفعاليات الجماعة وحضور الدورات الثقافية المغلقة والمفتوحة والندوات والمحاضرات وبالمقابل تعطيل بعض الحصص لعمل أنشطة توعوية بهدف غسل عقول الطلبة بالقدسية المزعومة للحوثي وميليشياته�.
حرب حوثية تشوِّه الوجوه البريئة
مؤلمٌ أن يقضي طفلٌ صغير حياته في حقل عمل لظروف فرضها الفقر والعوز لكنّ القدر غمز إليه بجانبٍ من التبسُّم عندما وجد حلاً وبدأ عملاً، إلا أنّه بشعٌ أن يُدفع إلى الرصيف، يقف حائراً بين بيع مقتنيات صغيرة أو تسول ممن ابتسم لهم الحظ ولو قليلاً.. يحدث ذلك في اليمن.
تقارير حكومية حديثة كشفت أنّ هناك أكثر من مليوني طفل "يعملون" جرّاء الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي الانقلابية منذ صيف 2014، كما حُرم أكثر من 4.5 مليون طفل من التعليم، حسبما صرحت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ابتهاج الكمال.
ومن بين الأسباب المتعددة، نُظر إلى توقُّف مرتبات الموظفين الحكوميين بمن فيهم المتقاعدون الذين كانت أسرهم تعتمد على مرتباتهم كدخل أساسي، أحد أبرز أوجه الأزمة التي فاقمت ظاهرة عمالة الأطفال، ومعها تتعدد سوق عملهم حسب الظروف والفرص المتوفرة، ففي مقابل من يذهبون إلى الرصيف للعمل كباعة متجولين، هناك من يغادرون للعمل في محال تجارية لدى أقربائهم، وهناك من تركوا التعليم وآخرون استمروا في الدراسة مع العمل في الأوقات الممكنة خارج المدرسة.
ورغم أنّ ظاهرة "عمالة الأطفال" ليست قضية جديدة بالنسبة لأغلب الدول العربية، ومن بينها اليمن، إلا أنّها تضاعفت بشكل ملحوظ جرّاء انتهاكات المليشيات الحوثية، حيث لا تخلو أغلب المتاجر والمحال من عاملين في أعمار تتراوح بين العاشرة والـخامسة عشرة، وكذلك بالنسبة للبيع المتجول في الأرصفة والتقاطعات الرئيسية، التي تزدحم بالبائعين من الأطفال، وتختلف الظروف بالنسبة لأولئك الذين يجدون فرصاً للعمل لدى أقرباء تأمن عليهم أسرهم، بعض الشيء، وبين من لا يجدون غير الرصيف وأوساط الغرباء.
المليشيات الحوثية تتعدد أساليبها في استقطاب الطلاب، فبحسب مصادر أهلية يتم تسجيل أسماء الطلاب وأرقام هواتفهم بعد إغرائهم بالحصول على سلة غذائية ثم يتم دمج تلك الأرقام في مجموعات متطرفة عبر (واتساب) ومن ثم يرسلون الرسائل والشعارات الحماسية والمقاطع بهدف التأثير على الطلاب وتهيئتهم للمشاركة في الأنشطة التي تمهد فيما بعد لنقلهم إلى جبهات للقتال.
بالتزامن مع ذلك، تفرض المليشيات الحوثية إتاوات على الطلاب بحجة دعم المجهود الحربي، فتقول إحدى سيدات صنعاء: "لقد نقلت ابني من المدارس الأهلية إلى الحكومية لعدم قدرتنا على دفع الرسوم فإذا بهم يفرضون مبالغ شهرية تصل لألفي ريال على كل طالب كما يتم فرض رسوم إجبارية للمشاركة في احتفالات الحوثيين في الوقت الذي لا يملك الطلاب أنفسهم ما يسد رمق جوعهم".
وبحسب مدير مدرسة أهلية في حي النهضة، فإنّ مكتب التربية الخاضع لسيطرة المليشيات يمارس على المدرسة ضغوطاً كثيرة إذ تلزم المدارس الخاصة بحجز مقاعد مجانية لأبناء مقاتليها من دون دفع أي مبالغ مالية.
ويضيف: "في الوقت الذي يتم منح تراخيص وتسهيلات لشخصيات تابعة للحوثيين لفتح مدارس أهلية يتم تهديد مدارس أخرى بسحب التراخيص في حالة عدم دفع أموال للمليشيات وتبرعات لدعم المجهود الحربي، أو عدم إقامة فعاليات ومهرجانات وتوريد مبالغ مالية طائلة مقابل تكلفة طباعة الكتاب المدرسي فضلا عن الإتاوات التي تجبر المدرسة على دفعها".
إزاء ذلك امتنع الكثير من أولياء الأمور عن تدريس أطفالهم إما لعجزهم عن تسديد الرسوم في المدارس الأهلية، أو خوفا من التغرير بأطفالهم والزج بهم في جبهات القتال، خاصة أن كثيرا من الأطفال فارقوا أسرهم دون علم آبائهم وأمهاتهم وتركوا الدراسة ولم تعد إلا جثثاً هامدة.