اخبار وتقارير

الإثنين - 29 أبريل 2019 - الساعة 11:33 م بتوقيت عدن ،،،

4 مايو / وضاح الأحمدي


قبل ٢٥ عاما وقف علي عبدالله صالح، امام جموع عسكرية في ميدان السبعين بصنعاء، معلنا الايذان بالحرب على الجنوب شريك الوحدة اليمنية، التي توشك ان تحتفي بذكرى تحقيقها الرابعة، وسط احتقان سياسي كبير لدى قيادتها، نتيحة الانقلاب الصريح على نصوص اتفاقيتها التي بالكاد تجاوز عدد أوراقها عقد نكاح.

وصفت عملية اقامة الوحدة بالمجازفة المجنونة، إذ تمت بين دولتين مختلفتين كليا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ذلك ان الدولة الجنوبية ذات النهج الاشتراكي تملك ثلثي المساحة الجغرافية، والموارد الإقتصادية الهائلة، ونظام حكم مرتكزا على العمل المؤسساتي والطبيعة المدنية للمجتمع، خلافا للدولة الشمالية القائمة على شكلية الدولة، ومظمون الحكم العشائري والمتخلف، فضلا عن الكثافة السكانية الغالب عليها الجهل والفقر والثأرات القبيلة.

في ٢٧ أبريل ١٩٩٤، خاطب صالح الجموع بقوله" إنني من هنا أدعوا أبناء شعبنا اليمني البواسل ومن كل محافظات الجمهورية أن يكونوا بالمرصاد لكل القوى المعادية للوحدة وللعناصر الانفصالية.. أن كل مواطن في شعبنا اليمني سيتحول إلى قاض ورئيس ومحكمة ومدعٍ عام باسم الشعب اليمني لمحاكمة كل من يسيئ لهذا الوطن وهذه الأمة”. دعا ايضا الى تشكيل لجان في كل محافظات الجمهورية والمديريات والأحياء للدفاع عن " الوحدة" والتصدي لعناصر التخريب أينما وجدت، - حسب قوله عامذاك.

كان صالح يوجه تهديده الصريح والمباشر للقيادة السياسية الجنوبية، وفي المقدمة نائبه علي البيض، شريكه في التوقيع على اتفاقية الوحدة، بعدما تأكد له ان الوقت قد حان لإستكمال الخطة المعدة سلفا.. خطة الانقلاب الكلي على الشريك الجنوبي، وتحويل الجنوب دولة وشعبا من شريك رئيسي في الدولة المستحدثة، الى ملحق للشمال، تحت قاعدة " عودة الفرع الى الاصل".

يأتي ذلك بعد اقل من شهرين من توقيع الرئيس صالح بمعية نائبه البيض على وثيقة العهد والاتفاق في الاردن، لتجاوز أزمة سياسية خانقة، استمرت ٦ أشهر بين طرفي الوحدة، قرر اثناء ذلك علي البيض الاحتكاف في العاصمة عدن، احتجاجا على رفض الشريك الشمالي تنفيذ اصلاحات سياسية وإدارية ومالية في نظام الحكم، وعلى ممارسات اخرى باتت تهدد بقاء الشريك الجنوبي في صنعاء منها سلسلة اغتيالات نشطة طالت رموز الدولة.. لم يكن البيض ذاته في منأى عنها البتة.

اصل الحكاية :

في ٢٢ مايو ١٩٩٠، تم الإعلان عن وحدة اندماجية، بين دولتي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية " الجنوب" والجمهورية العربية اليمنية، " الشمال" واقامة دولة موحدة تحت مسمى الجمهورية اليمنية، بعد التوقيع عليها من قبل رئيسا الدولتين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، على ان يكون صالح رئيسا للدولة المستحدثة والبيض نائبا له، وتكون صنعاء هي العاصمة السياسية للدولة.

دخلت القوى السياسية الجنوبية الوحدة بنوايا استكمال
انجاز نضالات قومية دأبت عليها منها الوحدة اليمنية التي كانت تسارع من خلالها لخطف شرف سبق تحقيقها باعتبارها الخطوة الاولى في مشوار تحقيق حلم الوحدة العربية الشاملة، كما انها كانت تصبو الى تصدير فكرة الدولة من الجنوب الى الشمال للوصول الى غاية " يمن ديمقراطي حر وموحد" ومجتمع تعاوني عادل يحكمه النظام والقانون، لكن على النقيض من ذلك تماما كان النظام العسقبلي في الشمال ينظر الى الوحدة على انها حصان طروادة الذي سيمنحه شرعية الاستيلاء على الجنوب ارضا وثروة، وسيمكنه من تعزيز سلطته لا سلطة الدولة، لذا سارع بتنفيذ شروط نجاح هذا التوجه من خلال البدء بتنفيذ سلسلة اجراءات تعسفية واقصائية بحق الشريك الجنوبي، اهمها اغتيال ١٥٣ كادرا عسكريا ومدنيا في الدولة الجنوبية؛ ابرزها ماجد مرشد مستشار وزير الدفاع، وابن شقيقة علي سالم البيض نائب الرئيس، في عملية استهدفت نجليه، اضافة الى اغتيال شقيق حيدر ابوبكر العطاس رئيس الوزراء، ومحاولة تفجبر منزلي هيثم قاسم وزير الدفاع وياسين نعمان رئيس مجلس النواب، عوضا عن ممارسات اخلاقية اقلها وضع اجهزة سمعية وكاميرات مراقبة خفية داخل منازل القيادات الجنوبية العليا، كان البيض اول ضحاياها، على نحو يكشف جليا النوايا الحقيقية للنظام الشمالي ازاء وحدة الدولتين.

دفعت تلك الممارسات بالنائب البيض الى اتخاذ قرار العودة الى العاصمة الجنوبية عدن، وبدأت القيادات الجنوبية بالتفكير جديا بفك الارتباط عن الشمال، بعد ان تأكد لها عدم جدوى مواصلة مشوار الوحدة مع شريك لا يؤمن بالدولة اصلا، لكن وساطات دولية وإقليمية اقنعت البيض بضرورة الحوار وانهاء القطيعة املا بمنح الوحدة فرصة أخيرة، وتم ذلك من خلال التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في فبراير ١٩٩٤، بالعاصمة الاردنية عمان، من قبل الرئيس صالح ونائبه، بحضور رسمي عربي ودولي، أكدت جوهر بنودها على استعادة الشراكة الفاعلة بين الطرفين، ونزع فتيل الازمة واعادة ترتيب تموضع الوحدات العسكرية للدولتين، وتحميل الطرف المخل بهذه البنود تبعات الإنفصال.

عاد الشريكان صالح والبيض محملان بعهود ومواثيق دولية تفرض عليهما العمل معا لإنجاح الوحدة اليمنية، بيد ان صالح كان يرى ان الاتفاقية ماهي الا تحصيل حاصل وعمل برتوكولي لا يلزمه التخلي عن قناعته بضرورة اقصاء شريك الوحدة ومواصلة الانقلاب عليه وإن بالحرب، وبدأ ذلك جليا من خلال خطابه الشهير بميدان السبعين في ٢٧ ابريل عام ١٩٩٤، ذات الخطاب الذي اشعل فتيل الحرب بعد يوم واحد، بدءا بمحافظة عمران الشمالية التي شهدت اولى المواجهات بين القوات الجنوبية والشمالية لتمتد الى محافظة ذمار ومنها الى باقي البلاد حتى سقطت عدن بيد الفاتحين الجدد في ٧ يوليو من ذات العام.

تكشفت خطة الانقلاب على الوحدة ونية الانقضاض على الشريك الجنوبي حين مماطلة الرئيس صالح في دمج قوات الدولتين ببعضها، وبعد ان ضمن لقواته مواقع حساسة داخل العمق الجنوبي وسيطرة تامة على الطرق الرابطة المحافظات الجنوبية ببعضها، عوضا عن تطويق القوات الجنوبية بقوات شمالية تفوقها عددا وعدة.

رأى الجنوبيون ان الوحدة ليست سوى "فخ" تم استدراجهم اليه في لحظة عاطفية جامحة للقيادة الجنوبية، نتيجة التكريس اليومي لشعار جنوبي يحرض على حتمية تحقيق الوحدة الوطنية بين شطري اليمن، ما جعلها تهرول الى الوحدة منزوعة الضمانات والشروط، وغير مدركة انها تسوق دولة بقضها وقضيضها الى قلب صنعاء لتضعها بين يدي نظام طبقي انتهازي متخلف، إذ تنازلت عنها بلا ثمن، على نحو لا يدحض حقيقية ان البيض، باعتباره صاحب القرار الكارثة، هو أغبى رئيس عرفه التاريخ السياسي المعاصر، ذلك ان وصفا غير هذا الوصف، يضع البيض في خانة الخيانة الوطنية العظمى.

في كل ابريل من كل عام يحيي الجنوبيون " ذكرى اعلان الحرب على الجنوب" املا في ايصال صوتهم الى العالم لتأكيد حقهم في استعادة دولتهم وفك الارتباط عن الشمال.