4 مايو/ تقرير/ محمد الزبيري
في أجواء احتفالية مفعمة بالحماس والفخر بالهوية الجنوبية شهدت محافظة المهرة انطلاق فعاليات الموسم ال14 من مهرجان شباب الغد التراثي،تحت مسمى مهرجان "المحالبة والمزاينة _أثوب"
الحدث الثقافي الأبرز الذي يجمع بين عبق الماضي وأصالة الحاضر.
المهرجان الذي يُنظَّم سنويًا برعاية اتحاد شباب الغد أصبح منصة حيوية لإبراز الموروث الشعبي المهري والتعريف به على نطاق واسع، مؤكّدًا ارتباط المهرة الوثيق بجذورها الجنوبية.
شهد المهرجان توافد الآلاف من أبناء المهرة والمحافظات الجنوبية لحضور الفعاليات، وسط أجواء احتفالية أعادت الحياة إلى الموروث الثقافي المهدد بالاندثار، وخلقت تفاعلًا بين الأجيال الشابة وكبار السن الذين يمتلكون مخزونًا غنيًا من العادات والتقاليد
*التراث المهري.. هوية متجذرة في التاريخ الجنوبي*
تمتلك المهرة المحافظة التي تُعدّ بوابة الجنوب الشرقية، تمتلك تاريخًا غنيًا وتراثًا متفردًا شكَّل جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية الجنوبية.
فمنذ القدم، كانت المهرة نقطة التقاء للحضارات البحرية، وشكَّل موقعها الجغرافي حلقة وصل بين جنوب الجزيرة العربية وشرق أفريقيا والهند، مما منحها خصوصية ثقافية بارزة.
وتُعدّ اللغة المهرية، وهي إحدى اللغات القديمة غير المكتوبة، من أبرز مكونات التراث المهري، إلى جانب الفنون التقليدية مثل الرقصات الشعبية وأغاني البحر والصيد، التي تُؤدَّى في المناسبات الاجتماعية والمهرجانات، ما يجعل المهرة نموذجًا حيًا للتنوع الثقافي الجنوبي.
*مهرجان شباب الغد.. جسور بين الماضي والحاضر*
المهرجان الذي استقطب أعدادًا كبيرة من الزوار، شمل عروضًا متنوعة تجسّد مختلف جوانب التراث المهري، حيث قدّمت فرق الفنون الشعبية رقصات الهبوت والبرعة والطنبرة، التي تعكس الحياة البدوية والصحراوية للمهريين، بينما عرض الحرفيون أعمالًا يدوية كالسدو والنسيج وصناعة الأدوات الفخارية والخشبية، التي لا تزال تستخدم في الحياة اليومية.
أطلق على المهرجان تسمية المزاينة والمحالبة وهما من أبرز العادات التراثية العريقة في محافظة المهرة، حيث تعكس ارتباط المجتمع البدوي بالإبل وأهميتها في حياتهم اليومية. تُعد المزاينة مسابقة جمالية للإبل، يتم فيها تقييم الإبل بناءً على معايير محددة تشمل القوام واللون وحجم الرأس والعينين وشكل السنام واستقامة القوائم. تحظى هذه الفعالية باهتمام واسع من المهرَة، وتعد فرصة لاستعراض أجمل الإبل وتعزيز مكانة ملاكها.
أما المحالبة، فهي مسابقة تقيس إنتاج الإبل من الحليب، حيث يتم حلب النوق أمام لجنة التحكيم ومتابعين من المهتمين بالإبل، وتُقاس كمية الحليب المستخرجة لتحديد الفائزة. تعكس هذه العادة مهارة الملاك في تربية النوق وتحسين إنتاجها، كما تسهم في تعزيز مكانة الإبل الحلوب بين القبائل.
تشكل المزاينة والمحالبة جزءًا مهمًا من الموروث الثقافي المهري، حيث تُنظم في المناسبات القبلية والمهرجانات التراثية، وتعد فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع، إضافةً إلى الحفاظ على تقاليد الأجداد المرتبطة بالإبل، التي تمثل رمزًا للفخر والاعتزاز في ثقافة المهرة.
*المهرة.. مركز حيوي للثقافة الجنوبية*
تسعى المهرة من خلال هذا المهرجان وغيره من الفعاليات الثقافية إلى تعزيز مكانتها كمركز رئيسي للحفاظ على التراث الجنوبي، إذ تعمل الجهات الثقافية على توثيق الفنون والتقاليد المهربة في مشاريع بحثية وأرشيفات رقمية، مما يساهم في نشر الثقافة المهرية على نطاق أوسع.
كما ساعد المهرجان في تنشيط الحركة السياحية في المهرة، حيث استقطب زوارًا من مختلف المحافظات الجنوبية، مما أسهم في تعزيز التبادل الثقافي والترويج للهوية الجنوبية في الأوساط المحلية والدولية.
*فعاليات المهرجان.. لوحة ثقافية متكاملة*
امتدت فعاليات مهرجان شباب الغد لعدة أيام، وشملت العديد من الأنشطة التي لاقت تفاعلًا كبيرًا من الحضور ومن أبرز هذه الفعاليات العروض الفنية والموسيقية حيث قدم المهرجان عروضًا حية للفنون الشعبية المهرية وقدمت الفرق الفلكلورية عروضًا راقصة وأغانٍ تراثية تعكس الموروث الثقافيك رقصة الهبوت التي تؤدى في المناسبات الكبرى وتُعرف بإيقاعاتها الحماسية ورقصة البرعة وهي رقصة جماعية تحمل معاني الشجاعة والتضامن بين أفراد المجتمع.
كما عزفت موسيقى الطنبرة وهي نمط موسيقي يمزج بين التراث المهري والإيقاعات الأفريقية والعربية.
ضم المهرجان أيضاً معرضًا للحرف التقليدية، حيث عرض الحرفيون منتجاتهم اليدوية التي تشمل أدوات الصيد التقليدية التي تعكس ارتباط المهريين بالبحر ومعرضاً آخر للملابس المهرية التقليدية المزينة بالتطريز اليدوي.
الأواني الفخارية والخشبية المستخدمة قديمًا في الطبخ والتخزين كانت حاضرة في المهرجان كما حضرت سباقات الهجن والفروسية التي تعتبر جزءًا أساسيًا من الثقافة المهرية، وقد شهد المهرجان سباقات حماسية للهجن والخيول، وسط تشجيع كبير من الجماهير.
نُظمت على هامش المهرجان جلسات نقاشية حول أهمية الحفاظ على التراث الجنوبي، وتوثيق اللغة المهرية، بالإضافة إلى دور الشباب في نقل الموروث الثقافي للأجيال القادمة.
*التحديات والطموحات المستقبلية*
ورغم النجاح الكبير للمهرجان، يواجه التراث المهري تحديات كبيرة، أبرزها خطر الاندثار بسبب العولمة والتغيرات الاجتماعية، فضلًا عن قلة الدعم الرسمي لبرامج التوثيق والحفاظ على التراث الغني للمهرة.
يطمح القائمون على المهرجان إلى توسيعه ليشمل فعاليات أكاديمية، وورش عمل تهدف إلى تدريب الشباب على الفنون والحرف التقليدية في خطوة تهدف للحفاظ على التراث المهري وتعزيز الهوية الجنوبية.
*التصريحات الرسمية: دعم للتراث وتعزيز للهوية الجنوبية*
أعرب اتحاد شباب الغد بمحافظة المهرة عن فخره واعتزازه بدوره في إبراز الموروث الثقافي والإرث الأصيل للمنطقة، من خلال رعايته لمهرجان المحالبة والمزاينة اثوب الموسم الـ14 الذي يقيم في منطقة أثوب بمديرية حات بمحافظة المهرة.
وفي تصريح لرئيس الاتحاد الشيخ مسلم بلحاف قال أن: "مهرجان شباب الغد ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو مشروع ثقافي يهدف إلى توثيق التراث المهري والحفاظ عليه للأجيال القادمة، وهو جزء لا يتجزأ من التراث الجنوبي العريق."
وأكّد بلحاف أن المهرجان يعيد تسليط الضوء على الدور الجوهري الذي لعبته المهرة عبر التاريخ في رسم ملامح الهوية الجنوبية، مشيرًا إلى أن التراث المهري كان ولا يزال عنصرًا رئيسيًا في تشكيل المشهد الثقافي في الجنوب.
وأوضح الشيخ سالم مسلم بلحاف، رئيس اتحاد شباب الغد، أن مهرجان شباب الغد للمحالبة ومزاينة أثوب الموسم 14 يمثل إحدى أبرز الفعاليات التراثية التي تجمع قبائل محافظتي المهرة وحضرموت ومناطق الحدود، حيث يعزز روح التعاون والتنافس الشريف تحت مظلة التراث الأصيل.
وتضمن المهرجان هذا العام فعاليات وعروض تراثية مميزة، إلى جانب جوائز قيمة شملت أكثر من 20 سيارة بالإضافة إلى جوائز عينية أخرى، في خطوة تهدف إلى تحفيز المشاركة المجتمعية وتشجيع الحفاظ على الهوية الثقافية.
وأشار الشيخ سالم بلحاف إلى أن المهرجان يعكس جهود الاتحاد في تعزيز الهوية الثقافية وترسيخ التراث العريق كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية، مؤكداً أن هذا الحدث أصبح رمزاً للاعتزاز بالتراث والهوية المحلية.
وفي سياق متصل، أكدت قيادة اتحاد شباب الغد استمرارها في تقديم مبادرات ومشاريع إنسانية وخيرية متنوعة، والتي تستهدف جميع القطاعات، بما في ذلك التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.
كما عبّرت قيادة الاتحاد عن شكرها وتقديرها العميق للجان التنظيمية والفنية والتحكيمية على جهودها الكبيرة في سبيل تحقيق النجاح المميز للمهرجان، مشيداً بكفاءتها وروح التعاون التي ساهمت في إنجاح هذا الحدث الثقافي الفريد.
واختتم الشيخ بلحاف تصريحه بالدعاء بالتوفيق للجميع في خدمة المجتمع وتعزيز الوحدة الوطنية، مؤكداً أن التراث سيظل نبراساً ينير درب الأجيال القادمة، وأن المبادرات الإنسانية ستظل ركيزة أساسية في مسيرة الاتحاد لخدمة المجتمع.
*ختام المهرجان.. رسالة ثقافية تعزز الهوية الجنوبية*
اختُتم المهرجان بفعاليات مسائية شملت عروضًا شعرية ورقصات تقليدية، وسط تفاعل جماهيري كبير عبّر عن اعتزازه بتراثه وهويته.
ليبقى مهرجان شباب الغد التراثي رسالة ثقافية تؤكد أن المهرة ليست مجرد محافظة هامشية، بل قلب نابض للجنوب، وحاضنة لتراثه العريق.