4 مايو/ تقرير/ محمد الزبيري
139 عاماً هي الفترة التي ظل الاحتلال البريطاني فيها جاثماً على أراضي دولة الجنوب رغماً عن إرادة الشعب الجنوبي الذي ظل طوال هذه السنوات الطويلة يرفض الخنوع والاستسلام 14 أكتوبر 1963م ويقاوم المحتل رافضاً للتطبيع معه والقبول بالأمر الواقع رغم فارق القوة والسلاح الذي ظل الاحتلال يوجهه إلى صدور ابناء الجنوب لقمع توجهاتهم نحو الحرية والاستقلال.
أدرك الشعب الجنوبي أن المستعمر لا يفهم إلا لغة القوة،وأن السلاح وحده من يستطيع إجباره على مغادرة الجنوب وإنهاء الاحتلال ليشعل شرارة الثورة المسلحة يوم 14 ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ 1963م من أعالي قمم ردفان الشامخة وتبدأ مع هذا التاريخ فصول مواجهات عسكرية شرسة خاضها ثوار الجنوب ضد قوات الاحتلال التي حاولت قمع الثورة بعنف واستهدفت المدن والقرى بالأسلحة الثقيلة وقصف الطيران وقتلت المئات من الأبرياء وزجت بآلاف المواطنين الجنوبيين في السجون والمعتقلات،لكنها وأمام إصرار الشعب الجنوبي واستعداده للتضحية أجبرت على الجلاء وغادرت الجنوب بعد 139 عاماً من الاحتلال.
حققت الدولة الجنوبية بعد الاستقلال إنجازات هائلة في مجالات التعليم والصحة والبناء والتعمير وتوفير العيش الكريم للشعب،وبنت جيشاً وطنياً كان مصنفاً ضمن أقوى الجيوش في العالم،قبل أن تدخل في وحدة متسرعة مع اليمن الشمالي في العام 1990م رغم الفوارق الكبيرة بين الدولتين والشعبين
تحولت الوحدة إلى احتلال بعد أن شن شركاء الوحدة في الجمهورية العربية اليمنية حرباً غادرة على الجنوب بعد أربعة أعوام من قيام الوحدة ليجد الشعب الجنوبي نفسه في ظل احتلال همجي وأسوأ من الاحتلال البريطاني.
في مواجهة الاحتلال اليمني استلهم الأبناء معاني الكفاح والنضال ورفض الظلم والقهر من ثورة آباءهم الخالدة ثورة 14 أكتوبر وساروا على نهجهم رافعين السلاح في وجه الاحتلال اليمني مجبرينه على الرحيل بقوة الحديد والنار رغم الظروف المحلية والإقليمية والدولية المعقدة التي أخرت إعلان الاستقلال وتحرير ما تبقى من أراضي الجنوب.
نحاول في هذا التقرير أن نسلط الضوء على هذه الثورة العظيمة وما هي الأهداف التي اشتعلت من أجلها؟،وما أبرز منجزات هذه الثورة؟ وكيف يستلهم ابناء الشعب الجنوبي الدروس والعبر من ثورة اباءهم وأجدادهم في مواجهتم مع المحتل اليمني
*عظمة أهداف الثورة
قامت ثورة الرابع عشر من أكتوبر من أجل أهداف عظيمة رسمها قادتها لتمحي كل ما صنعه وخلفه الاستعمار وتنطلق بالجنوب نحو آفاق التنمية والإزدهار وركز قادة الثورة على الأهداف التالية
تصفية القواعد وجلاء القوات البريطانية من أرض الجنوب دون قيد أو شرط.
إسقاط الحكم السلاطيني والتي يصنف بأنها رجعي .
إعادة توحيد الكيانات العربية الجنوبية سيراً نحو الوحدة العربية والإسلامية على أسس شعبية وسلمية.
استكمال التحرر الوطني بالتخلص من السيطرة الاستعمارية الاقتصادية والسياسية.
إقامة نظام وطني على أسس ثورية سليمة يغير الواقع المتخلف إلى واقع اجتماعي عادل ومتطور.
بناء اقتصاد وطني قائم على العدالة الاجتماعية يحقق للشعب السيطرة على مصادر ثرواته.
توفير فرص التعليم والعمل لكل المواطنين دون استثناء.
إعادة الحقوق الطبيعية للمرأة ومساواتها بالرجل في قيمتها ومسئولياتها الاجتماعية.
بناء جيش وطني شعبي قوي بمتطلباته الحديثة تمكنه من الحماية الكاملة لمكاسب الثورة واهدافها.
انتهاج سياسية الحياد الإيجابي وعدم الانحياز بعيدا عن السياسات والصراعات الدولية
*انتزاع الحرية من فوهة البندقية
رغم فارق الإمكانيات والتسليح بين الإمبراطورية البريطانية وثوار الجنوب وسيطرة الاحتلال على المدن والمواقع الاستراتيجية ظلت الثورة تشتعل وتتوسع على امتداد الجنوب،ووجه الثوار الجنوبيون ضربات موجعة للاحتلال،فيما ظل المحتل يحاول بصورة يائسة إطفاء شرارة الثورة وإعادة قبضته الحديدية على الجنوب لكنه فشل فشلاً ذريعاً بفضل الصمود الإسطوري لشعب الجنوب وتمسكه بحريته وكرامته رغم التضحيات الجسيمة التي قدمها في طريق الثورة.
فهمت بريطانيا الدرس بعد أربعة أعوام وعرفت أن القمع والقوة العسكرية وقصف المدن والقرى بالأسلحة الثقيلة والطيران لن تثني الشعب الجنوبي عن كفاحه لانتزاع حريته خصوصاً بعد وصول المواجهات المسلحة إلى العاصمة عدن ومقتل المئات من جنودها لتعلن استعدادها للتفاوض والمغادرة وهو ما تحقق في 30 نوفمبر 1967م عندما غادرت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس تجر أذيال الخيبة وأشرقت شمس الحرية على الجنوب وارتفعت رايته الوطنية خفاقة في سماءه بعد ما يقارب قرن ونصف من الإستعمار وأعلن عن قيام جمهورية اليمن الجنوبية التي وحدت أكثر من 23 سلطنة وإمارة ومشيخة في إطار دولة موحدة كانت نموذجاً للنظام والقانون والمواطنة المتساوية بين جميع فئات الشعب.
*منجزات الثورة
حققت دولة الجنوب بعد الاستقلال إنجازات كبيرة وحققت معظم أهداف ثورة 14 أكتوبر خلال فترة زمنية قياسية.
في مجالات التعليم والصحة والبناء والتعمير وتوفير العيش الكريم للشعب،وبنت جيشاً وطنياً كان مصنفاً ضمن أقوى الجيوش في العالم،قبل أن تدخل في وحدة متسرعة مع اليمن الشمالي في العام 1990م رغم الفوارق الكبيرة بين الدولتين والشعبين.
*التطور التعليمي*
في المجال التعليمي نجحت الدولة الجنوبية في الارتقاء بالوضع التعليمي في الجنوب وبنت آلاف المدارس والمعاهد التعليمية ومراكز محو الأمية.
قبل الاستقلال وفي ظل الاحتلال البريطاني كان الشعب الجنوبي يعاني الأمية ومئات الآلاف من الجنسين لا يستطيعون القراءة والكتابة وعدد المدارس في الجنوب تعد بأصابع اليد الواحدة وتركزت في العاصمة عدن وبعض المدن الرئيسية
بعد الاستقلال وخلال سنوات قليلة أعلنت منظمة اليونيسيف أن الجنوب استطاع القضاء على الأمية وصنفت الجنوب ضمن أعلى دول الشرق الأوسط في نسبة التعليم.
*القطاع الصحي
في مجال الصحة حققت الدولة التأمين الصحي المجاني وبنت العديد من المستشفيات ووفرت تكاليف العلاج في الخارج للأمراض المستعصية،وقضت في حملات التطعيم التي وصلت إلى كل بيت جنوبي حتى البدو في قلب الصحراء أن تقضي على الأمراض المتوطنة.
بنت الدولة الجنوبية الوحدات الصحية في القرى والأرياف،وسيرت القوافل الطبية والأطباء الزائرين إلى المناطق النائية.
عملت الدولة على توفير التغذية الصحية للمواطنين حرصاً على توفير الوقاية الصحية من الأمراض ووفرت أغلب المواد الغذائية للشعب وبسعر رمزي.
*الأسرة وحقوق المرأة*
منحت المرأة الجنوبية بعد الاستقلال أغلب حقوقها الطبيعية وكان قانون الأسرة في الدستور الجنوبي من أرقى القوانين وأكثرها شمولاً وضماناً لحقوق النساء والأطفال.
*جيش وطني
في الجانب العسكري بنى الجنوبيون جيشاً وطنياً ضارباً،يتمتع بأعلى درجات التأهيل والتدريب والاحترافية،ويمتلك أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية،وقد شارك في الكثير من المهام الداخلية والخارجية وأثبت كفاءة وقدرة على تنفيذ المهام الموكلة إليه بجدارة.
*على خطى الآباء والأجداد*
تمثل ثورة 14 أكتوبر إيقونة للفخر والاعتزاز للشعب الجنوبي الذي يحيي ذكراها كل عام باحتفالات عارمة تحيي ذكرى المآثر البطولية لأجدادنا الذين فجروا شرارة ثورة 14 أكتوبر وأجبروا الإمبراطورية البريطانية على الرحيل.
يستلهم الشعب الجنوبي من ثورة 14 أكتوبر معاني الكفاح والنضال ورفض الظلم والقهر وإعلاء قيم الحرية والكرامة والعزة والتضحية بالروح والدم في سبيل تحقيقها.
وعلى درب ثوار أكتوبر ونفس الأهداف التي فجروا الثورة من أجلها رفع شعبنا السلاح وواجه الاحتلال اليمني ليطهر الجنوب من دنسه ويجبره على الخروج بقوة الحديد والنار وليواصل الأبناء كتابة تاريخ صاغه أجدادهم بمداد من الدماء.
*حضرموت تجدد الوصل بأكتوبر
في حضرموت يستعد المواطنين هناك للخروج في مليونية حاشدة تحت مسمى مليونية الهوية الجنوبية.
اختار الحضارم توقيت المليونية بالتزامن مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر كرسالة انتماء لتلك الثورة العظيمة التي وحدت الجنوب وأنهت حالة الفرقة والشتات التي مزقت الجنوب لأكثر من 23 سلطنة وإمارة ومشيخة