4 مايو/ تقرير/ محمد الزبيري
وسط مؤشرات إقليمية ودولية عن تحركات أمريكية وبريطانية لإسقاط مليشيات الحوثي بهدف إيقاف الهجمات البحرية على السفن التجارية والملاحة الدولية في المحيط الهندي وبحر العرب ومضيق باب المندب والتي تشنها الجماعة المصنفة كحركة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
السؤال الذي يطرح نفسه وسط هذه التحركات الإقليمية والدولية الرامية لإسقاط الحوثيين وتحرير الشمال هل تستغل القوى اليمنية هذه الرغبة الدولية من أجل حشد الدعم الإقليمي والدولي والمشاركة الصادقة في الحرب أم أن هذه القوى وعلى رأسها حزب الإصلاح ستعود لعادتها القديمة في المتاجرة بالحرب و جمع الأموال ونهب المساعدات الدولية الإنسانية والعسكرية واستغلالها لخدمة أهدافها الخاصة.
تمثل هذه التحركات الغريبة لإسقاط الحوثيين فرصة ذهبية لليمنيين لتحرير أرضهم بعد أن ضيعوا الفرصة الأولى في 2015 التي استغلها جيرانهم الجنوبيون وحرروا أرضهم وبلدهم في الوقت الذي جعلت فيه القوى اليمنية هدف تحرير اليمن الشمالي في آخر سلم الأولويات محولين الحرب إلى تجارة رابحة استنزفت دول التحالف العربي وتسببت في فشل الحرب وبقاء العصابة الحوثية مهيمنة على الشمال ومهددة جيرانها في الجنوب والخليج العربي والمصالح الإقليمية والدولية في المنطقة،واستمرار القمع والعنف والإرهاب التي يمارسها الحوثيين بحق الشعب اليمني الذي يعاني بسبب فساد قادته.
*أمريكا وإعادة محاربة الحوثي*
نظراً للتطورات الأخيرة واستمرار الحوثيين في تحدي المجتمع الدولي والهجمات المتواصلة على السفن التجارية والملاحة الدولية يبدو أن احتمالية عودة الحرب في اليمن أصبحت أقرب من أي وقت مضى،يعزز ذلك حالة الجمود التي تمر بها خارطة الطريق للحل السياسي التي كانت قريبة التوقيع بين السعودية والحوثيين.
يشير الخبير العسكري الجنوبي العميد ثابت حسين أن دوافع الحرب التي اشتعلت في اليمن عام 2015 لا تزال قائمة.
وأضاف حسين أن "بقاء سيطرة الحوثيين على شمال اليمن تشكل تهديداً مستمراً مع سعيهم المتواصل للتوسع والسيطرة على ما تبقى من أراض خارج نطاق سيطرتهم في الشمال،قبل التفكير بإعادة غزو الجنوب والسيطرة على الممرات البحرية والموانئ الجنوبية الأمر الذي يمثل تهديداً كبيراً لحركة التجارة العالمية.
يعتقد المحلل السياسي رشيد الحداد أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لإعادة الحرب على الحوثيين بهدف إيقاف هجماتهم على الملاحة الدولية عبر تدمير القوة العسكرية التي تمتلكها الجماعة والأسلحة النوعية كالصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة.
يقول الخبير الأمريكي كارفاخال "أن الولايات المتحدة تعلم أن ضربات الحوثي ستستمر بغض النظر عن ادعاءات الجماعة بمناصرة غزة،حيث أن إيران هي من تقف خلف الهجمات وهي وحدها من تملك قرار إيقاف أو استمرار الهجمات،لذا فإن التفكير بعمل عسكري ضد الحوثيين سيكون خياراً لا يمكن استبعاده.
*فرصة ذهبية
بسبب الهجمات البحرية التي تشنها جماعة الحوثي على السفن التجارية والملاحة الدولية في المحيط الهندي وبحر العرب ومضيق باب المندب بدأت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول أوروبية أخرى في استشعار مخاطر سيطرة المليشيات الحوثية على اليمن وخطورة الهجمات البحرية على الملاحة الدولية لتصعد اجراءاتها ضد المليشيات.
تبنت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب اجراءات تصعيدية ضد الحوثيين جمعت بين البعدين السياسي والعسكري،بدءاً بإعادة الرئيس الأمريكي جو بايدن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية بهدف الضغط على الجماعة لتحقيق جملة من الأهداف على رأسها وقف التصعيد في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب،وصولاً لتأسيس تحالف"حارس الإزدهار" في ديسمبر 2023م بمشاركة أكثر من 20دولة غربية وعربية.
فشلت الضربات الجوية التي شنتها أمريكا وبريطانيا على الحوثيين في إيقاف هجماتهم الأمر الذي أدى لتصعيد الصراع وبدء أمريكا في الإعداد لعمل عسكري يهدف لإسقاط الحوثيين وتحرير الشمال وإنهاء الجماعة المصنفة كحركة إرهابية وحماية الملاحة الدولية في المحيط الهندي وبحر العرب ومضيق باب المندب والبحر الأحمر.
تمثل هذه التحركات فرصة ذهبية للقوى اليمنية في تحرير الشمال وإنهاء سيطرة ﺟﻤﺎعة الحوثي،وتبديد مخاوف المجتمع الدولي وعدم الثقة بجدية القوى اليمنية في الحرب على الحوثيين وتحرير بلدهم.
المفترض أن تسارع هذه القوى لإعلان موقفها والتواصل مع الجهات الفاعلة إقليمياً ودولياً وإعطاء ضمانات واضحة بجدية هذه القوى واستعدادها للمشاركة في أي عمل عسكري ضد الحوثيين.
*معركة تحرير الشمال من وجهة نظر جنوبية*
صحيح أن القادة الجنوبيون في الانتقالي الجنوبي يدركون أكثر من غيرهم بأنه لا أمان للجنوب دون شمال مُحرر من القوى الموالية لإيران، وهو ما تدركه القوى الشمالية أيضاً. إلّا أنها وبدلاً من استخدام هذه النظرية لاستنهاض الجنوب معها في مشروع تحرير الشمال، تحوّلت إلى استخدام ذات النظرية كفزّاعة لتهديد الجنوب والجنوبيين من خطر وجود الحوثي. هذا الأمر يضع قوى الشمال في موقف يبدو أكثر تقبلاً لاستمرار سيطرة الحوثيين على محافظاتهم، بما فيها المناطق المتاخمة للجنوب.
إذ تعتقد هذه القوى أنّ هذا الأمر جيد نكاية بالمجلس الانتقالي، متناسية المخاطر المحتملة التي يُمكن أن يمثّله بقاء واستمرار سيطرة الحوثيين على تلك المناطق والمحافظات، بما في ذلك التأثير فكرياً وعقائدياً على الشعب اليمني.
بمراجعة بسيطة للخط الزمني الذي سارت عليه الأحداث المتصلة بالصراع الجاري في اليمن، وبالتوقف في محطات النجاحات والإخفاقات في خط هذا الصراع، سنصل إلى نتيجة مفادها أن القوى الجنوبية تمكّنت من تحرير أربع محافظات خلال الخمسة الأشهر الأولى للحرب. وهي الفترة التي توغلت قوات الحوثي في بداياتها نحو أحياء عدن، وكان هذا في أواخر شهر مارس 2015، غير أنّ قوى المقاومة الجنوبية استدركت مبكراً خطر ما يجري ورمت بكل ثقلها لتحرير محافظاتها، وكان لها ما أرادت لتطوي امتداد الحوثي وتعيد انكماش سيطرته من محافظات عدن ولحج وأبين والضالع وتنتهي من تحرير هذه المحافظات بتاريخ 8 أغسطس 2015.
لذلك، إنّ من يراجع الأرشيف سيندهش من حجم تهاوي قوات الحوثيين آنذاك، وهو التهاوي نفسه الذي كان يمكنه أن يستمر بذات الزخم المتسارع في محافظات الشمال، وهو مالم يحدث حينها، بالرغم أن صدى تحرير محافظات الجنوب أدى إلى فرار "مليشيات الحوثي" إلى المناطق الداخلية من محافظة إب كالرضمة شمالاً وحزم العدين غرباً، وهو مالم يستمر، بل على العكس استعاد الحوثيون سيطرتهم بعد أيام قليلة وعادوا إلى نقيل الخشبة غربي الضالع، قبل أن يسيطروا على مناطق العود ومديرية الحشاء ومناطق غربي قعطبة في إبريل 2019. وسبق ذلك استعادتهم لمدينة دمت وعودتهم إلى جبل ناصة على مشارف مريس المطلة على قعطبة من حدودها الشمالية.
يؤكد القادة الجنوبيون استعدادهم لدعم أي تحركات جدية لتحرير الشمال،لكنهم يشترطون أن يتحرك الشماليون أولاً لتحرير بلدهم،بدلاً من التدخل في شؤون الجنوب ومحاولة زعزعة أمنه واستقراره.
يقول الصحفي الجنوبي ماجد المحرابي أن "الشمال سيتحرر متى ما اقتنع قادته وشعبه أن الجنوب ليس بلدهم وأن مصلحتهم الحقيقية هي تحرير أرضهم ومناطقهم وليس تسخير امكانياتهم في سبيل ابقاء سيطرتهم على الجنوب الذي يمكن أن يكون سنداً لهم متى ما قرروا بالفعل تحرير بلدهم".
*معضلة القوى الشمالية
المتأمل لوضع القوى الشمالية سيجد أنها وحتى اللحظة ما زالت تائهة ولم تحدد أولوياتها، وحتى وهي في اللحظة التي يُفترض أنها غادرت مربع الشقاق وتوصلت فيها إلى مقاربات لا بأس بها مع القوى الجنوبية ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي. إذ أن هذا ما ينبغي أن تتخذه الآن، لأنها بدون اتخاذ مثل هذه الخطوات الجريئة لن تتمكن من تنفيذ مشروعها بتحرير متكامل لمحافظات الشمال. ولن يتأتّى لها ذلك مالم تأخذ أمر الجنوب وقواه بمنتهى الموضوعية، والاعتراف بحقيقة الأمر الواقع، والتجرّد من أي مواقف ضيقة لا تتناسب مع أولوياتها في "تحرير الشمال". وبالطبع، هذا لن يتم إلا بالتنازل والمرونة وإبداء حسن النوايا تجاه الجنوب بكل ما يمثله من قاعدة صلبة لانطلاق مشروع التحرير، وخلفية جغرافية وأمنية ينبغي أن تكون آمنة بالحد الكافي لتأمين حركة وظهر قوات تحرير الشمال.
من هذا المنطلق، يمكن أن تتنازل القوى الشمالية بللانتقالي الجنوبي وتتخلى عن أوهامها في إعادة السيطرة على الجنوب بشكل بديهي، مقابل أن تأخذ مواقف وأوراق تُنجز من خلالها معركة تحرير الشمال. وهي أمور ممكنة بالمناسبة وقد خبرتها أطراف في بلدان أخرى، وعلى رأسها النموذج الجاري بين أكراد سوريا والنظام السوري، فرغم اختلافهما وصراعهما وتباين مشاريع وأهداف كلاً منهما عن الآخر، إلا أن هذا لم يمنع الأكراد من اللجوء لطلب الدعم والمساندة من قبل النظام، كلما هددت تركيا بمهاجمة مناطقهم. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق من ناحية أخرى وبأسلوب مختلف بين القوى الشمالية والانتقالي الجنوبي فيما يخص معركتهما ضد الحوثي. إذ أنّ القوى الشمالية هي من يفترض عليها أن تتولى إدارة مثل هكذا مواقف مع الانتقالي، تنتهي بمقاربات مرنة بعيدة عن التصلّب والجفاف الذي يجعل مشروع تحرير الشمال متوقفاً عند ذات الخط الذي وصلت إليه قوى المقاومة الجنوبية في أغسطس 2015.
*تجار الحرب ومآلات فشل تحرير الشمال
بسبب تجار الحروب وسيطرة جماعات الإسلام السياسي ممثلة بحزب الإصلاح على القوى الشمالية فشلت كل جهود تحرير الشمال وعززت من سيطرة المليشيات الحوثية واستمرارها في قمع وإرهاب الشعب اليمني.
ما تزال ذكريات جبهات مأرب ونهم وتعز والمسرحيات الهزلية التي مثلها حزب الإصلاح على التحالف العربي عالقة في أذهان الكثيرين.
سلمت المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي مليارات الدولارات وشحنات ضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية لقيادة ما سمي بالجيش الوطني وهو عبارة عن مليشيات انشأها حزب الإصلاح بإسم الشرعية.
عجزت هذه المليشيات في تحرير أي شبر في الشمال وكان الأمر المؤسف قيام هذه المليشيات بتسليم المناطق التي كانت تسيطر عليها للحوثيين،ومعها المعدات العسكرية والأسلحة المقدمة من التحالف العربي وبدلاً من تحرير صنعاء سقطت الجوف ونهم ووصل الحوثيون إلى أطراف مأرب في فضيحة مدوية وضربة مؤلمة لكل الجهود والأموال التي سخرت من أجل دحر الحوثيين وتحرير الشمال.