تُعَدُّ محافظة شبوة من أبرز مناطق الجنوب الغنية بالموارد النفطية، حيث تمتلك حقوقًا مشروعة في الأرض، والبيئة، والخدمات، والتوظيف، والإدارة، والاستثمار. ومع ذلك، لم تحظَ هذه المحافظة إلا بنصيب ضئيل من هذه الحقوق، مما يثير تساؤلات حول استمرار هذا الوضع.
للحصول على حقوقها المستحقة، يتطلب الأمر تكاتف الجهود الشعبية والجماهيرية، بقيادة منظمات المجتمع المدني، والأحزاب، والمجتمع القبلي. ففي الواقع، هناك "كلفتة فساد" تتعلق بشركة OMV النمساوية. وقد زار وزير النفط والمعادن، سعيد الشماسي، محافظة شبوة مع وفده، وليس من المعتاد أن تكون مثل هذه الزيارات لتفقد أحوال المحافظة والاستماع لمطالبها، بل جاءت الزيارة لاحتواء الفساد المستشري في ملف شبوة النفطي، خاصة فيما يتعلق بشركة OMV.
تاريخ شركة OMV حافل بالفساد، حيث تكبدت خسائر فادحة في دول أخرى بسبب مخالفات بيئية تجاوزت قيمتها مليار دولار. وفي الجنوب، الذي يحتل مرتبة متقدمة عالميًا في الفساد، حاولت الشركة خلال العامين الماضيين بيع حصتها في حقول شبوة لشركتين وهميتين تتبعان نافذين، وهما SPEC وZenith، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل.
مؤخرًا، أرسلت الشركة مذكرة لوزارة النفط تفيد بنيتها مغادرة الحقل بنهاية عام 2024. ويبدو أن الوفد الذي وصل إلى شبوة جاء لاستلام الحقل من الشركة، وتسهيل خروجها دون تحمل أي التزامات، وشرعنة هذا الخروج مقابل "صفقة مشبوهة". من يمرر هذه الجريمة بحق أبناء شبوة يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية.
بالإضافة إلى ذلك، قامت قيادة شركة OMV بفصل 33 موظفًا، وتستعد حاليًا لفصل 86 آخرين بحجة عدم قدرتها على دفع مرتباتهم، في حين أن مدير عام الشركة يقيم في فندق 7 نجوم، ويتكبد مصاريف يومية بالدولار.
ويجب على أبناء محافظة شبوة الوقوف صفًا واحدًا للمطالبة بحقوقهم المشروعة، ومحاسبة كل من يساهم في تمرير هذه الصفقات المشبوهة التي تهدر ثروات المحافظة وتضر بمصالح أهلها.
-بيان الأحزاب والمكونات
نظمت الأحزاب والمكونات السياسية والمجتمعية ومنظمات المجتمع المدني في محافظة شبوة اجتماعًا تشاوريًا لمناقشة المطالب الجماهيرية المتزايدة بحقوق المحافظة في التمثيل السياسي والإداري العادل. وأكد المجتمعون على رفض الإقصاء والتهميش الذي تعانيه شبوة منذ عقود، مشددين على ضرورة إدماجها في مواقع القرار السياسي والاقتصادي وفقًا لحجمها الجغرافي وثرواتها الطبيعية.
أكدت الأحزاب والمكونات المجتمعية في شبوة على ضرورة تمثيل شبوة في الحكومة والهيئات والمؤسسات المدنية والعسكرية والدبلوماسية. وإنهاء التهميش الذي تعانيه المحافظة وإشراكها في إدارة ثرواتها، داعية إلى تنفيذ مشاريع استراتيجية تعزز التنمية وتحسن الخدمات، مع التشديد على ضرورة استقلال قرارها الأمني والعسكري، وتشجيع الاستثمار.
وبدورنا طرحنا مجموعة من الأسئلة لاستطلاع آراء نخبة من الشارع الجنوبي والمختصين حول قضايا النفط في محافظة شبوة: هل أبناء شبوة يحصلون على حقوقهم المشروعة من العائدات النفطية؟ ولماذا؟ وكيف تتعامل السلطة المحلية والقبائل مع ملف النفط لحماية حقوق أبناء شبوة؟ وهل يؤيد الشارع الشبواني والجنوبي تشكيل هيئة مستقلة لإدارة القطاع النفطي في شبوة؟ وما مدى شفافية إدارة ملف النفط في شبوة؟ وكيف يقرأ الجنوبيون إعلان شركة OMV انسحابها من حقل العقلة؟ وهل هناك ضمانات لعدم تهربها من التزاماتها؟ وكيف يمكن لمنظمات المجتمع المدني المساهمة في كشف الفساد في قطاع النفط؟ وما أبرز العوائق التي تواجه مطالب أبناء شبوة بحقوقهم النفطية؟ وما الحلول الممكنة لضمان استفادة أبناء شبوة من عائدات النفط؟
-حقوق مسلوبة
يتحدث الإعلامي حسن صالح حسن هذبول الخليفي، قائلاً:" مما لا شك فيه أن أبناء شبوة لا يحصلون على حقوقهم المشروعة من عائدات النفط، بل حتى لا يحصلون على الفتات منها. إذا نظرنا إلى غلاء المشتقات النفطية للسيارات وعدم توفر مادة الديزل لتشغيل الكهرباء، رغم أن شبوة محافظة نفطية بامتياز، فإن ذلك يعد مؤشرًا واضحًا على أن أبناء شبوة محرومون من حقوقهم المشروعة من العائدات النفطية. هذا الوضع المؤسف يعكس ظلمًا كبيرًا يعاني منه أبناء شبوة، الذين يرون ثرواتهم النفطية تُستغل بينما هم يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والوقود".
-شبوة تحتضن ثرواتها.. إعادة تموضع القوات الجنوبية
وبدوره العميد صالح بلال، رئيس مؤتمر شبوة الشامل، يوضح كيفية تعامل السلطة المحلية والقبائل مع ملف النفط لحماية حقوق أبناء شبوة، قائلا:
"تتعامل السلطة المحلية مع حماية حقول النفط والقبائل من خلال إعادة انتشار وتموضع قوات شبوانية من أبناء شبوة، وهي قوات دفاع شبوة وقوات المقاومة الجنوبية التي تنتشر في عموم المحافظة بما فيها حقول النفط. هذه القوات هي الوحيدة القادرة على حماية الحقول ولن تعود شبوة إلى الماضي، حيث كان النظام يستخدم هذا الملف لتأليب القبائل على بعضها عبر منح امتيازات لبعض القبائل بهدف زرع الفتنة بينهم، مما يوفر مساحة للناهبين والمتنفذين لنهب خيرات المحافظة".
-استقلال إدارة النفط
ويكشف العميد صالح بلال بقوله :" أما بخصوص إنشاء هيئة مستقلة لإدارة القطاع النفطي، فإن هناك مشروعًا لإنشاء شركة 'بترو شبوة'، التي بإمكانها إدارة القطاعات كما تفعل 'صافر' في مأرب، و'بترو مسيله' في حضرموت. هذا مطلب من جميع أبناء شبوة وهو من أهم مطالب مؤتمر شبوة الشامل".
-أكذوبة الشفافية
بينما يتحدث الأكاديمي د. حسين مثنى العاقل، عضو هيئة التدريس بجامعة لحج، عن مدى شفافية إدارة ملف النفط في شبوة، قائلاً: "يهمني أن أصارحكم القول بأن عبارة 'التعامل بشفافية مع ملف النفط والغاز في محافظات الجنوب' هي عبارة نمطية لا مصداقية لها، سواء من قبل الشركات النفطية العالمية أو من قبل زعماء وسلطة النهب اليمني. منذ أكثر من ثلاثة عقود من الاستثمارات النفطية في محافظات الجنوب، ونحن نسمع عن أكذوبة التعامل بشفافية مع ملف النفط، بينما الحقيقة أن القطاعات النفطية الإنتاجية والاستكشافية مستباحة ولا يعرف أي مسؤول جنوبي عن كمية الإنتاج والتصدير من الحقول المنتجة للنفط الخام".
-شائعات للتظليل
وعن إعلان شركة OMV انسحابها من حقل العقلة وهل هناك ضمانات لعدم تهربها من التزاماتها، يوضح د. حسين العاقل، قائلاً:" في ما يتعلق بتسريبات انسحاب شركة OMV النمساوية المهيمنة عليها أحد المتنفذين، فما يُشاع حول انسحابها ليس سوى دعاية للتظليل، بينما تسعى هذه الشركة لمد نفوذها الاستثماري إلى قطاع جنة 5 شبوة، ومعلوم بأن لدى شركة OMV أكثر من أربع قطاعات أخرى في كل من محافظتي شبوة وحضرموت.
فلا توجد جهة رسمية في محافظة شبوة أو الجنوب تؤكد أن هناك التزامات قد تم فرضها على الشركات النفطية العالمية بما فيها شركات OMV النمساوية، وشركة توتال Total الفرنسية، وشركة هنت .Hunt الامريكية وغيرها، من الشركات العاملة في جميع القطاعات النفطية في محافظات الجنوب. وبحسب القاعدة التي تقول: أن الموارد الاقتصادية المستباحة، لا يمكن أن تفرض عليها أي التزامات سيادية أو أخلاقية، وهذا هو بالضبط ما يحدث في واقع قطاعات وحقول الثروات النفطية في محافظات الجنوب".
-الجهل بالاتفاقيات
بدوره المهندس محسن صالح عبدالحق - مهندس استكشاف جيولوجي بشبوة، يتحدث عن أبرز العوائق التي تواجه مطالب أبناء شبوة بحقوقهم النفطية، قائلاً: "أبرز العوائق هي الجهل بعدم معرفة ما يتم تداوله من صفقات فساد تحت مبررات غير قانونية، ومن أهمها الجهل بالاتفاقيات. هناك سماسرة مقربون من المسؤولين والقيادات، وبعض البيوت التجارية، يستخدمون نفوذهم في التحايل والتلاعب بالاتفاقيات وبنودها، مثل استخدام بند 'القوة القاهرة'.
-ظروف صعبة
ويضيف الشخصية الاجتماعية الشيخ سالم محمد لهيم العمري، قائلاً: " تمر شبوة بظروف سياسية واقتصادية صعبة، كما هو الحال في باقي محافظات الجنوب، ولكن شبوة خاصة تعرضت لصراعات مسلحة داخلية وخارجية أثرت على تماسك النسيج الاجتماعي. تشتت المواقف بين مؤيد ومعارض، وأصبح كل فصيل أو مكون يطالب بحقوق شبوة منفردًا، بعيدًا عن الفصائل والمكونات السياسية والقبلية الأخرى، ويزعم كل منهم أنه يمثل شبوة، وهو ما يعد أكبر عائق في حصول شبوة على حقوقها".
-منظمات غير فاعلة
ويتحدث الشيخ سالم العمري، عن دور منظمات المجتمع المدني بالمساهمة في كشف الفساد في قطاع النفط، قائلاً:" منظمات المجتمع المدني، غير فاعلة وغير موجودة على أرض الواقع، ولدينا حلفان للقبائل، كل منهما يدعي أنه ممثل لشبوة. انشغلوا بأنفسهم، وكل حلف منهم يسعى للحصول على ودّ جهة معينة في السلطة، دون الاهتمام بحقوق شبوة السياسية والاقتصادية. شبوة لن تحقق حقوقها إلا بتكاتف الجميع والوقوف صفًا واحدًا، وهذه هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق حقوقها".
-صحوة شبوانية
ويرى المهندس محسن عبدالحق، أن الحلول الممكنة لضمان استفادة أبناء شبوة من عائدات النفط، تكمن في صحوة شبوانية والعمل على تشكيل فريق مختص لمراجعة جميع اتفاقيات المشاركة والشركاء، وتفنيد بنود التلاعب. كما يجب إحالة المتلاعبين إلى النيابة العامة، وإلزام الشركات المنتهية عقودها أو المغادرة بدفع التعويضات، واستلام القطاعات منهم، مؤكداً على ضرورة تأسيس شركة شبوة لعمليات الاستكشاف والإنتاج (بترو شبوة)".