السبت - 31 مارس 2018 - الساعة 11:22 ص
مقال لـ د/ عبدالناصر الوالي
السيد المحترم مارتن جريفيثس. اهلًا بك الى ماتبقى من عدن كما نعرفها وكما يعرفها العالم.
السيد جريفيثس هل ستسألنا هل نريد الذهاب الى صنعاء ؟. أخالك ستسأل. اذا سألت فإليك أجابتنا : لقد ذهبنا الى صنعاء فعلاً. الآلاف من كبار الكوادر المدنية والعسكرية وحتى المواطنين البسطاء ذهبوا الى صنعاء ينشدون الوحدة ويرنوا الى تعزيز الإخوة وتوسيع الوطن. دمجنا الارض والثروة وتعسفنا الواقع والتاريخ والثقافة على امل ان صدق النوايا والمشاعر كفيل بتغيير الواقع وخلق تاريخ جديد وإيجاد مزيج ثقافي يحتوي الاجمل من ما في البلدين. وماذا كانت النتيجة ياسيدي.
عدن كما تراها قرية اشباح وهياكل عظمية. عدن ما قبل عام( 90) لم تعد كما هي ياسيادة المبعوث المحترم.
اختفت الفرحة والابتسامة من عدن وذهب الأمن والامان والاستقرار والطمأنينة . مساجدنا غيروا إذانها ومنعوا الناس ان تتروح في رمضان. مع انا صلينا في مساجدهم ولَم نمس معتقداتهم. لم يعد هناك جامعة تنافس جامعات الإقليم والمنطقة هجرها وهاجر منها الكثير من العلماء. مختبراتها نهبت وقاعاتها دمرت وقتلت فيها روح العلم والتعلم. عدن الخالية من الأمية بشهادة ((اليونسكو)) في عام (85 م. )حكمها الأميون الغزاة الجدد وعاثوا فيها فساداً.
لم تعد هناك مدارس نموذجية. بل أصبحت كتاتيب محشورة بالتلاميذ.
لم نسمع عن انقطاع الماء والكهرباء في عدن منذ عرفناها قبل قرن تقريباً والان أصبحنا نسعد اذا وصلت إلينا ولو لساعات. الالاف من الكوادر العسكرية والمدنية أهينت وقهرت في صنعاء ثم تم ترحيلهم الى عدن لا لكي يعودوا الى حيث كانوا يعيشون ويعملون ولكن الى الشتات والقرى بدون عمل ولا راتب. منهم من مات كمداً ومنهم من اعتلت صحته قهراً واحباطاً. الأدميرال البحري اصبح صياد واللواء البري اصبح بائع فواكه والصقر الجوي إصبح سائق تاكسي. البرفيسور اصبح فران والمدرس اصبح حارساً ليلياً في بوابة قائد عسكري متعجرف من صنعاء. اخذوا منا كل الوظائف من الغفير الى الوزير وأشبعونا زعيق( بالوحدة او الموت).
السيد الكريم مارتن جريفيثس مات اخي كمداً وهو من ابطال الثورة والجمهورية والوحدة. سفكت دماء ابنه في صنعاء فقط لانه عدني وليس له حق في صنعاء. سجنا انا واخي اكثر من مرة ونحن اساتذة في جامعة عدن لا نملك الا أقلامنا وكل ذنبنا انا طالبنا بعد غزوة( 94 )على الجنوب باصلاح مسار الوحدة. وهذا ليس حالنا وحدنا فقط بل هو حال معظم أبناء الجنوب وربما نحن الأقل تضرراً فيهم.
السيد جريفيثس اهلًا وسهلاً في عدن ونعتذر إليك فلن تجد لا سينما ولا مسرح. لن تجد نادي ولا منتزه. شاخ الممثلين والفنانين وهرم الكتاب والصحفيين. لن تجد كتاب ولا صحيفة الا اليسير. وقد كانت عدن مدينة العلم والأدب والصحافة والفن والثقافة.
السيد جريفيثس اهلًا بك في عدن وارجوك ان لا تنسى ان تحضر معك منديل تجفف فيه دموعك فقد علمنا انك رقيق القلب وسيحزنك بالتأكيد ان ترى الآلاف من الثكالى والأرامل واليتامى وسترى شبابنا بأجسادهم التي مزقتها الحرب وأنهكها الجوع والمرض. سترى الآلاف من المنازل والمعامل والمصانع والمدارس والكليات والمعاهد والمساجد التي دمرتها حربهم الثانية علينا في عام 2015 م. نحن ذهبنا الى صنعاء مرتين في عام (90 م) على امل الوحدة وفي (94 م) على امل إصلاح مسار الوحدة وفِي المرتين كان ذهابنا سلمياً. وهم جاوا الى عدن مرتين في عام (94) وفِي عام (2015) وفِي المرتين كانت صواريخهم وقنابلهم ورصاصهم يسبقهم إلينا وكانت جحافلهم المدعومة بالدبابات والمجنزرات والراجمات تكتسح عدن وتحيلها الى رماد وشعارهم في الحربين( الوحدة او الموت) حتى لم نعد نفرق بين الموت والوحدة ونعتقد انهم واحد. فهل هم كذلك؟.
السيد مارتن جريفيثس المحترم هل اتيت لتعرض على الأبناء والأحفاد ان يكرروا غلطة الاجداد و الآباء ويذهبوا مرة اخرى الى صنعاء ؟. ستقول ضمانات!! ونقول لم يشفع لنا جيشنا وقواتنا المسلحة وهم في عز مجدهم (فالكثرة تغلب الشجاعة). ولَم تشفع لنا ضمانات اشقائنا في المبادرة الخليجية ولا العرب ولا الامم المتحدة. تحملنا رئيسهم الذي اختطف السلطة عسكرياً لمدة( 24)سنة ولَم يستحملوا ان يحكمهم جنوبي هم انتخبوه ديمقراطياً حتى عام واحد فقط. تآمروا عليه جميعاً بدون استثناء وأخرجوه قسراً من صنعاء ولولا لطف الله لكان اليوم في عداد الشهداء فقط لانه جنوبي.
السيد جريفيثس اهلًا بك في عدن وانصح ان تحضر معك برميل من البترول حتى تستطيع ان تسير عربتك وانت تتجول في ما تبقى صالح للسير من شوارع عدن واحضر معك مصباح حتى تتمكن من الرؤية ليلاً اذا حل الظلام نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وأرجوك لا تصطحب معك أطفال في زيارتك حتى لا تصيبهم الظلمة بالرعب ولا تفزعهم إنفجارات المفخخات والانتحاريين الذين يرسلونهم إلينا كلما زارنا ضيف اجنبي ليتفقد احوالنا.
السيد جريفيثس قد ترى في عدن بعض الضوء وشيءمن السلام وربما بصيص امل هنا او هناك. ربما ترى مدرسة او جامعة تعمل وربما تجد مريض يعالج وربما تشعر ببعض الأمان. ربما سترى المطار يعمل والميناء يعج بالالاف من حاويات الاغاثة ربما تَرَى بعض الإعمار والكثير من محاولات التنمية. نعم هذا موجود فالأخوة في دول التحالف لم يقصروا صدوا معنا العدوان ويجتهدون معنا اليوم في اعادة الحياة ولكنك لا تستطيع ان تتخيل حجم الدمار الا اذا تذكرت كيف فعل النازيون بلندن في الحرب العالمية الثانية. فقط حينها ستعلم ان ما أنجز كثير رغم كل الصعاب والعراقيل الحقيقية والمفتعلة من بعض الأصدقاء والكثير من الأعداء.
السيد جريفيثس اهلًا وسهلاً في عدن رغم كل ما حصل فنحن لازلنا قادرون على (الترحيب) بالضيوف وإكرامهم والعناية بهم. عدن عروس البحر الاحمر وشواطئ بحر العرب. ستجد في عدن دفء السلام وروح المحبة. ستجد في عدن ود الأصدقاء ومودة الأهل. ستجد في عدن الشموخ والاباء. وستجدنا نركع ونسجد لله ولكننا لا ننحني لغيره فلا تطلب منا ذلك وحللت اهلًا ونزلت سهلاً. تحياتي