الخميس - 15 فبراير 2018 - الساعة 01:03 م
ما يزال جدل الثنائية المشهور في اليمن (وحدة ـ انفصال) قائما ويتكرر كلما تصاعدت الأزمة السياسية وتناسلت أزمات صغيرة أو كبيرة، وكلما فشل السياسيون في كل شي، بدءً بواجبات السلطة تجاه الشعب من خدمات ووسائل عيش وضرورات حياة، وانتهاءً باستعادة الدولة والنظام اللذين ظلا غائبين حتى عندما كان هناك ما يشبه الدولة في صنعاء.
لم تنشغل الطبقة السياسية لا ببناء دولة ولا بإقامة منظومة عدالة ولو شكلية ولا بحفظ مفهوم المواطنة ولا حتى باستثمار الثروة والتفكير بمستقبل البلد وازدهار المواطن الذي غدا الحديث عنه ترفاً زائدا عن الحاجة، مثلما انشغلوا جميعا بالتصدي لموضوع "الوحدة" الذي غدا أبعد من كل هذه المتطلبات التي هي أقرب إلى الجميع من حبل الوريد، لكن الطبقة السياسية غير معنية بها جميعا مثل اهتمامها بالوحدة.
ثنائية الوحدة والانفصال:
_______
منذ سنوات كان كاتب هذه السطور قد تناول هذه الثنائية عشرات المرات وقلنا أن مفهوم "الوحدة" هو مفهوم ملتبس ومتباين في مضمونه لدى متناوليه المختلفين تماما مثل مفهوم "الانفصال" فالبعض يعتبر مجرد دمج الناس في كيان واحد وإزالة الحدود الجغرافية هو الوحدة وما بقية الأمور إلا تفاصيل لا تستحق التوقف عندها، وهو كذلك لا يرى الانفصال إلا مطالبة الجنوبيين باستعادة حقوقهم بما فيها استعادة دولتهم التي دمرتها الحرب ولم تأت لهم ببديل أفضل منها أو حتى مثلها، لكنهم لم يروا الممارسات الانفصالية التي ظل نظام صنعاء يمارسها تجاه الجنوب والجنوبيين على مدى ربع قرن من القمع والتمييز والمصادرة والتنكيل والملاحقة والتمييز تجاه الجنوب والجنوبيين ويواصلها اليوم ورثاؤه حتى وهم مشردون في بقاع الدنيا المترامية الاطراف.
شخصيا كنت وما زلت أقول أن الوحدة التي لا تحفظ كرامة الناس ولا تخلق ظروف المواطنة المتساوية ولا تحمي المصالح الأساسية للناس ولا ترتقي بحريتهم ومستوى معيشتهم هي انفصال حتى وإن تغنى معتنقوه بأفضل الشعارات الوحدوية وأجملها، أما عندما يضاف إليها ممارسة التمييز والتهميش والقمع والتنكيل وتزوير التاريخ ومحو الهوية وتزييف الوعي وتزوير الحقائق فإن الانفصال يتجلى في أكثر صوره وضوحا حتى لو تدثر باجمل دثارات الوحدوية البراقة.
يحاول الكثير من الإخوة الأكاديميين والمثقفين الشماليين جعل مسألة (الوحدوية ـ والانفصالية) على إنها ثنائية أخلاقية، فالوحدوي في نظرهم هو الوطني والمحترم والوفي والنزيه والمخلص وما إلى ذلك من السجايا الأخلاقية التي ليست مقترنة بالضرورة بالموقف السياسي حتى لو كان المقصود بها لصاً وقاتلا ومجرما ومهرب ممنوعات وقاطع طريق، ويحاولون تصوير مفهوم "الانفصالية" كتهمة جنائية وأخلاقية فالانفصالي هو الشرير ، الخائن، العميل العدواني، اللاوطني، وغير ذلك من الصفات والسجايا التي لا علاقة لها بالموقف السياسي من الوحدة والانفصال، حتى لو كان المقصود بها ثائر وجريح حرب ومقاوم ومن صناع ثورة اوكتوبر ومهندسيها وفدائييها بل وممن سعوا لإنجاز وحدة حقيقية بين شمال اليمن وجنوبه ، وتخلوا عن مناصبهم وكل مصالحهم في سبيل ما ظنوه حلما جميلا ذات يوم، وليتهم ( أعني هؤلاء المثقفين والاكاديميين) يعلمون أن الكثير من المواطنين الجنوبيين يتباهون بتهمة "الانفصالية" وأن الكثير من الميالين إلى مفهوم الوحدة الراهن أو المدافعين عنها يشعرون بالخجل من اتهامهم بالوحدوية.
نعود ونقول أن الموقف من ثنائية (الوحدة ـ الانفصال) ليس موقفا أخلاقيا ولا علاقة له بالخير والشر ولا بالوطنية واللا وطنية، بل هو موقف سياسي يمكن لبعض معتنقي أحدهما أن يكونوا محترمين ووطنيين ومخلصين وشرفاء ونزيهين، مثلما يمكن لبعضهم الآخر أن يكونوا لصوصا وعديمي شرف ومجرمين ومنحرفين وحتى قتلة وقطاع طرق، وهذا يذكرنا ببيتي الشعر الشهيرين من قصيدة طويلة للشاعر المبدع علي حسين البجيري "عضو مجلس الشورى" الحالي الذي قال فيهما:
أنا انفصالي رغم إني الوحدوي
والمدعي الكــذاب عبرها سنين
يأخـــذ من الوحدة فقط خيراتها
والشعب يأكل شحت والا يستدين
وللحديث بقية
______
* من صفحة الكاتب على فيس بوك