4مايو/تقرير- منير النقيب
منذ إعلان تأسيسه في 4 مايو 2017، خاض المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي مسيرة سياسية وأمنية وعسكرية استثنائية، تميزت بتحقيق عدد من الإنجازات المفصلية التي أعادت للجنوب مكانته على الخريطة السياسية والأمنية في المنطقة. وعلى مدار عقدٍ من الزمن، نجح المجلس في تحويل التحديات إلى فرص، وبناء منظومة متكاملة من المؤسسات الأمنية والسياسية التي رسخت الاستقرار، وأسهمت في توحيد الصف الجنوبي والدفاع عن تطلعات شعبه.
* بناء مؤسسة أمنية وعسكرية
يُعد تأسيس القوات المسلحة الجنوبية واحدة من أبرز إنجازات المجلس، فقد تمكّن من بناء جيش نظامي وأجهزة أمنية مدربة ومجهزة، لعبت دورًا حيويًا في الدفاع عن الجنوب وحمايته من الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة والغزاة.
وفقًا لتقارير صادرة عن إدارة الأمن في العاصمة عدن، فقد تم تدريب أكثر من 60,000 جندي وضابط خلال السنوات العشر الماضية، ينتشرون في معظم محافظات الجنوب، أبرزها عدن، لحج، الضالع، وأبين. كما نجحت قوات الحزام الأمني والنخب الجنوبية في تقليص العمليات الإرهابية بنسبة 70% مقارنة بعام 2015، بحسب تقارير أمنية محلية.
ولم تقتصر الإنجازات الأمنية على مكافحة الإرهاب فقط، بل امتدت لتأمين المدن والطرق الحيوية، وتنظيم العمل الأمني من خلال إنشاء أكثر من 40 مركزًا أمنيًا في مختلف المحافظات الجنوبية.
2. نقل القضية الجنوبية إلى المحافل الدولية
من أبرز التحولات السياسية التي قادها المجلس الانتقالي هو تمثيل قضية شعب الجنوب في الخارج، بعد سنوات من التغييب والتهميش. وبدعم دبلوماسي من قيادة المجلس، تم افتتاح ممثليات خارجية في أكثر من 15 دولة، أبرزها بريطانيا، الولايات المتحدة، روسيا، وفرنسا، ما أتاح إيصال صوت الجنوب إلى المجتمع الدولي.
وقد أسهمت تلك التحركات في تضمين القضية الجنوبية في جولات الحوار التي تقودها الأمم المتحدة ضمن إطار العملية السياسية في اليمن، حيث تم الاعتراف بالمجلس الانتقالي كطرف رئيسي في اتفاق الرياض الموقع في نوفمبر 2019، وهو ما عدّه مراقبون سياسيون اعترافًا إقليميًا ودوليًا بتمثيله للشعب الجنوبي.
*الحوار الجنوبي وتوحيد الصف
أطلق المجلس الانتقالي مشروع "الحوار الوطني الجنوبي" في عام 2023، بهدف لمّ شمل القوى السياسية الجنوبية وتهيئة الأرضية لبناء جنوب فيدرالي حديث. ونجح هذا المشروع في استقطاب معظم المكونات الجنوبية، بما فيها شخصيات معارضة سابقة كانت خارج إطار المجلس.
وبحسب دائرة الشؤون السياسية في المجلس، فقد شارك في مراحل الحوار أكثر من 250 شخصية سياسية ومجتمعية جنوبية، وأسفر ذلك عن توقيع وثيقة "الميثاق الوطني الجنوبي" في مايو 2023، التي مثلت نقطة انطلاق نحو توحيد الرؤية الجنوبية حول مستقبل الدولة.
وقد انعكس هذا التوافق على الأرض من خلال تقليص الانقسامات وتفعيل مبدأ الشراكة في إدارة مؤسسات الجنوب، خصوصًا في العاصمة عدن، التي شهدت تحسنًا في أداء المؤسسات الخدمية بعد فترة من الجمود.
* تعزيز الوعي السياسي واللحمة الوطنية
ركز المجلس الانتقالي على بناء وعي سياسي جماهيري من خلال تنظيم الندوات والمؤتمرات والفعاليات الثقافية والإعلامية التي تهدف إلى تعزيز الهوية الجنوبية والتأكيد على مشروعية تطلعات شعب الجنوب في استعادة دولته.
وخلال الفترة من 2018 إلى 2024، نظم المجلس أكثر من 600 فعالية سياسية وإعلامية في الداخل والخارج، كما دعم إطلاق العشرات من وسائل الإعلام الجنوبية، منها قنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية، أسهمت في إيصال الرؤية السياسية الجنوبية إلى مختلف الفئات.
* تحديات ومسار مستقبلي
رغم تلك الإنجازات، إلا أن المجلس يواجه تحديات كبيرة، من أبرزها استمرار الأزمة الاقتصادية في الجنوب، وتداخل السلطات مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إضافة إلى سعي قوى مناوئة لإضعاف وحدة الصف الجنوبي.
غير أن المجلس الانتقالي أظهر مرونة عالية في التعامل مع تلك التحديات، من خلال مشاركته في المجلس الرئاسي اليمني منذ أبريل 2022، كجزء من استراتيجية واقعية لفرض الوجود الجنوبي ضمن العملية السياسية، دون التخلي عن مشروع الاستقلال.
ويؤكد قادة المجلس في خطاباتهم الأخيرة أن المرحلة القادمة ستشهد مزيدًا من التنظيم الإداري وتفعيل المؤسسات الرقابية، وإعادة هيكلة الاقتصاد الجنوبي بما يتواكب مع تطلعات الشعب.
في ظل المشهد القائم المعقد، تظل تجربة المجلس الانتقالي الجنوبي نموذجًا بارزًا لتحول الحراك الشعبي إلى كيان سياسي وأمني منظم استطاع فرض نفسه على الساحة. وبعد عشر سنوات من النضال والإنجاز، يخطو الجنوب بثقة نحو مستقبل يعيد له سيادته وهويته، بفضل تضحيات أبنائه وقيادة سياسية تمضي بثبات رغم العواصف.