نار الأسعار في رمضان 2025 .. كاريكاتير

الأمانة العامة تعقد اجتماعها الدوري وتناقش تقرير المشهد السياسي على الساحة الوطنية الجنوبية.. انفوجرافيك

الجمعية الوطنية تُجدد تأييدها للاحتجاجات الشعبية ورفضها أي محاولات لتوطين النازحين في الجنوب..انفوجرافيك



اخبار وتقارير

الثلاثاء - 29 أكتوبر 2019 - الساعة 08:17 م بتوقيت عدن ،،،

تحليل/ علاء عادل حنش:

خلال الأيام الماضية زاد الحديث عن حوار جدة السعودية، وعن مخرجات الحوار التي من المقرر توقيعها في العاصمة السعودية الرياض، وعن موقع الجنوب من هذا الاتفاق، وبالمصادفة قرأت تفاصيل أحداث (صلح الحديبية) الذي وقع بين المسلمين ومشركي قريش في ذي القعدة للعام الهجري السادس، بالقرب من مكة المكرمة. وعندما توغلت في القراءة استنتجت الكثير من العِبَر، وربطتها باتفاق الرياض، فبدا لي (صلح الحديبية) أشبه لما يدور في الجنوب اليوم، وأن هناك أموراً تسير برعاية الله تعالى لصالح الجنوبيين؛ ولله الحمد على ذلك كثيرًا.

دعونا أولًا نتحدث عن (صلح الحديبية) باقتضاب؛ ليصل المغزى، فحينما خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة ومعه ألف وأربعمائة من المسلمين إلى مكة المكرمة بهدف أداء العمرة، ولمَّا وصل إلى منطقة تُسمى (الحديبية) علم أنّ قريشاً ستمنعه من دخول مكة المكرمة، فأرسل إليهم عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى يُخبرهم أنّه لم يأتِ لقتالهم، فاستجابت قريش إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وأرسلت سهيل بن عمر إليه للاتفاق على صلح أُطلق عليه اسم (صلح الحديبية)، وكانت بعض شروط (صلح الحديبية) ضد المسلمين، وبعضها لصالحهم، ومن الشروط التي كانت لصالح المسلمين هي (حرية دخول أي شخص إلى عهد قريش أو عهد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ومنع الحرب لمدة عشر سنوات على التوالي، وحُرمة الاعتداء على أي قبيلة أو شخص مهما كانت الأسباب والدوافع)، فيما من الشروط التي كانت ضد المسلمين هي (رجوع المسلمين ذلك العام على أن يدخلوا مكة المكرمة معتمرين في العام المقبل بشرط دخول مكة دون سلاح ما عدا السيوف التي في أغمادهم، ودخولها بعد أن تخرج منها قريش، وألا تزيد مدة إقامة المسلمين في مكة المكرمة على ثلاثة أيام، واسترجاع المسلمين كل شخص يأتي إليهم من قريش مسلماً بغير إذن قريش، وألا ترد قريش من يعود إليها من المسلمين).. قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الشروط على ما في بعضها من إجحاف بالمسلمين هو حقنٌ للدماء فقط رغم اشتياق المسلمين لزيارة البيت الحرام (قِبلتهم) بعد (6) سنوات من هجرتهم عن مكة اضطرارًا، وكان مما أذكى شوقهم رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدخول المسجد محلقين رؤوسهم ومقصرين، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد ألا يدخلوها حربًا، وسعى لأن يكون دخول العرب والأعراب من حولهم معتمرين.

ولا ننسى موقف الصحابة رضوان الله عليهم الذين أغضبتهم شروط (الحديبية)، ورأوا أن فيها إجحافا لحقهم بتأدية العمرة وحماية المسلمين المهاجرين من مكة، غير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدا متفائلا، وقد أجاب السائلين بقوله (إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا)، ولكن غضب الفارق كان أكثر شدة، حيث ظل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يوجه أسئلة استنكارية تارة لأبي بكر وتارة للنبي بقوله (لماذا نعطي الدنية في ديننا؟)، فكان الصديق (أبو بكر رضي الله عنه) يرد بما يفيد التزام طريقة النبي، فيما أجابه النبي (صلى الله عليه وسلم) "أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره، ولن يضيعني"، ولكن في نهاية المطاف اقتنع المسلمون بذلك الصلح.

وأدرك المسلمون بعدها نتائج (صلح الحديبية) لهم، حيث يعتبر الصلح اعترافاً بوجود دولة الإسلام (الدولة الإسلامية) حينها؛ لأنّ المعاهدات تنشأ بين طرفين متساويين في القوة والعتاد والعزيمة، ففي البداية كانت قريش تحارب الدولة الإسلامية ولا تعترف بوجود دولة الإسلام سياسيا، ومع (صلح الحديبية) اعترفت قريش بدولة الإسلام، مما أدَّى ذلك إلى اعتراف عدد كبير من القبائل العربية الأخرى بوجود وأهمية دولة الإسلام، بالإضافة إلى أن الصلح بث الخوف والرهبة في قلوب الكافرين، حيث أيقن المشركون مع (صلح الحديبية) من أنّ الدين الإسلامي له النصر والقوة والمنعة وأصبحوا يحسبون حساباً لأصحاب النبي، مما أدَّى إلى ميل عدد كبير من سادة قريش إلى الدين الإسلامي والدخول فيه مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص رضي الله عنهما.

إلى جانب ذلك، فقد سهلت وثيقة (صلح الحديبية) في نشر الدين الإسلامي، وتعريف الناس بالأحكام التشريعية الإسلامية، فكان (صلح الحديبية) بمثابة فترة للراحة والهدنة وتوفير الوقت الكافي لنشر الدين الإسلامي بين الناس، كما أدَّت هذه الفترة إلى تفرغ عدد كبير من المسلمين وإرسال رُسل مسلمين إلى ملوك الفرس والروم والقبط لهدايتهم إلى الدين الإسلامي، بالإضافة إلى أنهُ أعطى الوقت للمسلمين لأخذ الاحتياطات والعتاد اللازم للتجهز من أجل غزوة مؤتة، وكان الصلح مقدمة لفتح مكة المكرمة ونصر المسلمين فيها.

بالعودة إلى واقع الجنوب اليوم، وكيف يجب أن نأخذ العبرة من (صلح الحديبية)، لاسيما مع الحملات الإعلامية الهادفة إلى زعزعة ثقة الجنوبي بقضيته، وإيهامه بأن (اتفاق الرياض) يعتبر هزيمة له.

فأولًا، سنسرد أهم مكاسب الجنوب من (اتفاق الرياض)، ونبدأ بالأهم: (اتفاق الرياض) يعتبر اعترافا رسميا بالقضية الجنوبية، وبوجود المجلس الانتقالي الجنوبي؛ لأن المعاهدات تنشأ بين طرفين متساويين في القوة والعتاد والعزيمة، وكان الجنوب سابقًا ساحة للحرب لكن لا يُعترف بقضية أبنائه سياسيا، وبـ (اتفاق الرياض) يعتبر اعتراف رسمي بالقضية الجنوبية، وانتزع (الشرعية الدولية) التي كنا نحلم بها من قلب العاصمة السعودية الرياض، وبإذن الله ستتوالى الاعترافات بالجنوب قريبًا.

ويدل (اتفاق الرياض) على أن الجنوبيين يمتلكون قوة (سياسيا، وعسكريا، واقتصاديا)، وسيُحسب للجنوب ألف حساب الآن، كما أن خروج القوات الشمالية المتواجدة في شبوة ووادي حضرموت يعتبر من أهم المكاسب، بالإضافة إلى أن انخراط قوات الأحزمة والنخب ضمن وزارة الداخلية يعتبر مكسبا آخر للجنوب، إلى جانب أن الجنوبيين انتزعوا حقهم في إدارة أرضهم وتأمينها وحمايتها، وتمثيل أنفسهم في المحافل العربية والدولية.

صحيح أن هناك بعض البنود في (اتفاق الرياض) قد يراها الجنوبيون إجحافا بحقهم، لكن لنتذكر (صلح الحديبية)، وكيف قَبِل الصحابة بالصلح رغم الإجحاف بحقهم، وباشتياقهم لزيارة البيت الحرام (قِبلتهم) بعد (6) سنوات من هجرتهم عن مكة اضطرارا، وحماية المسلمين المهاجرين من مكة، لكنهم قبلوا رغم ذلك، فكان قبولهم لصالح الإسلام والمسلمين، وحقنًا للدماء.

والجنوب اليوم باستطاعته رفض أي مخرجات أو مفاوضات، ويمتلك قوة عسكرية لمواجهة ذلك، لكن تبعات ذلك الرفض قد تكون سلبية على الجنوبيين وعلى قضيتهم العادلة، وقد نخسر التحالف العربي والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لكن يجب علينا أن ندرك أن من سيوقع على (اتفاق الرياض) هو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد عيدروس الزُبيدي، وكلنا نعلم من هو الزُبيدي، ومن متى بدأ نضاله في سبيل دولة الجنوب، ونعلم تمامًا أنهُ لن يقبل بأي شيء يمس هدفنا الأسمى المتمثل باستعادة دولة الجنوب كاملة السيادة على حدود ما قبل 21 مايو / آيار 1990م.

اليوم الجنوب على أعتاب مرحلة تاريخية ومفصلية من تاريخ الثورة الجنوبية، ويجب على كافة الجنوبيين التأهب لتلك المرحلة الهامة القادمة، بالاستعداد لكل ما هو طارئ، ورص الصفوف، ولم الشمل.. وهدف المجلس ‏الانتقالي الجنوبي واضح وضوح الشمس (الانتصار لقضية الشعب الجنوبي، واستعادة دولة الجنوب كاملة السيادة).