"4 مايو" كتب/ علاء عادل حنش:
لا شك أن جمهورية مصر العربية حققت نجاحًا كبيرًا خلال الستة الأعوام الماضية في القضاء على الإرهاب، واستطاعت هزيمته بخطة محكمة وبتعاون الشعب وبإرادة الجيش المصري الذي قدم أنموذجًا فريدًا من نوعه في التضحية من أجل الوطن، ولم يكن ذلك النصر سهلًا، وفي المتناول لولا تعاون الشعب مع الدولة والجيش.
ورغم الضريبة الباهظة التي دفعها المصريون جراء انتشار الإرهاب في بلدهم إلا أن تعاونهم وإصرارهم هزم الإرهاب، ونجا الكثيرون من أي عمليات قد تستهدفهم.
واليوم أصبحت التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب أنموذجًا ناجحًا، فماذا لو جربها الجنوبيون اليوم في وطنهم؟ هل تنجح كما نجحت بمصر لا سيما وأن ما يمر به (الجنوب) اليوم في حربه مع الإرهاب سبقته مصر فيه؟
وقبل أن نغوص في كيفية تطبيق التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب في الجنوب، سنحاول أن نسرد بعض التفاصيل عن التجربة المصرية.
*ما هي التجربة المصرية ؟
تنقسم جمهورية مصر العربية إلى (27) محافظة في (7) أقاليم، وكل محافظة لها عاصمة ويتبعها مراكز أو أقسام أو مراكز وأقسام معاً، ما يعني الصعوبة البالغة التي واجهها الجيش المصري في حربه ضد الإرهاب بسبب البيئة الجغرافية الصعبة، عكس البيئة الجغرافية في محافظات الجنوب، والتي ربما تساعد، نوعًا ما، قوات المقاومة الجنوبية في محاربة الإرهاب.
ولكن مصر استطاعت، خلال السنوات الست الماضية، أن تقدم للعالم تجربة رائدة في مكافحة الإرهاب وتثبيت أركان الدولة، وهذه التجربة أبطالها جميعا يعشقون تراب الوطن، ويعملون ليل نهار من أجل رفعته، وأقسموا يمينا أن يحافظوا على أمنه وسلامته في البر والبحر والجو، فأبرّوا بقسَمهم.
فعقب ثورة 30 يونيو/حزيران 2013م كانت قوى الشر تستعد للانقضاض على الدولة المصرية بمساعدة القوى الخارجية، بعد أن جهزت عناصرها التي نقلتها على مدى عامين ونصف للمنطقة التي ترغب في زعزعتها، ولم تكن قوى الشر والإرهاب تدرك أن عيونا لا تنام كانت لها بالمرصاد، ترصد تحركاتها وتقاطعاتها، حفاظا على الأمن القومي للبلاد.
وظنت قوى الشر أنها قادرة على الدولة المصرية، لأنها لم تدرس تاريخ مصر جيدًا، فخاب ظنها؛ لأن مصر عصية على كل من يحاول النيل منها، ففي 24 يوليو / تموز 2013م، وخلال تخرج دفعتي البحرية والدفاع الجوي، طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع في ذلك الوقت تفويضًا من الشعب المصري لمكافحة الإرهاب والنزول (يوم الجمعة آنذاك) لإثبات إرادة الشعب وقراره، بأنه في حالة أن تم اللجوء للعنف والإرهاب يفوض الجيش والشرطة باتخاذ اللازم لمواجهة العنف والإرهاب، حيث قال السيسي حينها: "يوم الجمعة ميعادنا مع كل المصريين، والجيش والشرطة مفوضين لتأمين المظاهرات.. وهذا لا يعني أنني أريد أن يكون هناك عنف أو إرهاب".
ولأن الشعب هو مصدر السلطات طلب السيسي التفويض، في ظل تعليق العمل بالدستور؛ لأن دولة 30 يونيو/حزيران 2013م حرصت منذ اللحظة الأولى على احترام القانون، كما يقول رئيس تحرير صحيفة (أكتوبر) المصرية محمد أمين في إحدى مقالاته الصحفية.
وقال رئيس تحرير صحيفة (أكتوبر) محمد أمين: "إن الملايين من المصريين نزلوا معلنين تفويض القوات المسلحة والشرطة لمواجهة الإرهاب والحفاظ على الدولة المصرية، وعلى مدى 6 سنوات عملت قوات (إنفاذ القانون) على مواجهة الإرهاب وفق استراتيجية واضحة جعلت احترام القانون على قمتها والحفاظ على الدولة وتثبيت أركانها وعدم المساس بالمدنيين وتأمين المصالح الحيوية".
وأضاف: "ووضعت قوات (إنفاذ القانون) منذ اللحظة الأولى مجموعة من القواعد للعمل في هذه المواجهة، وهي (عدم المساس بالمدنيين مهما كلف ذلك القوات من تضحيات، ومواجهة العناصر الإرهابية والقضاء عليها وإحلال الاستقرار والأمن، وتمشيط سيناء بالكامل وتطهيرها من الإرهاب من أجل عملية التنمية فيها، وملاحقة العناصر الإرهابية وتطهير البؤر المتواجدة بها، والتعاون مع أهالي سيناء وتخفيف العبء عنهم خاصة في مناطق العمليات وتوفير كافة الاحتياجات اليومية لهم)".
بعدها، بدأت عملية مواجهة الإرهاب بعد أن حاولت قوى الشر ضرب بعض المؤسسات وبعد حدوث تفجيرات عديدة في عدد من المناطق عندها كان لا بد من مواجهة عناصر الإرهاب بقوة.
ويشير أمين إلى أن بعد مذبحة (رفح الثانية) كان الرد قويًا من قبل قوات (إنفاذ القانون)، حيث تم الإعلان عن بدء عملية (حق الشهيد) التي حققت نجاحاً كبيراً في ملاحقة العناصر الإرهابية في سيناء وفق القواعد السابق ذكرها.
وتابع: "وبالتوازي مع العمليات العسكرية للقوات المسلحة والشرطة المدنية عملت أجهزة المعلومات في وزارتي الدفاع والداخلية على متابعة العناصر الإرهابية والعناصر الداعمة لها ومصادر التمويل ومتابعة التحركات، وهو أحد أهم الملفات في تلك المعركة، ونجحت المخابرات الحربية والأمن الوطني بالتعاون مع أبناء سيناء الشرفاء في توفير المعلومات لقوات (إنفاذ القانون)، خاصة أن معركة مواجهة الإرهاب تعتمد في المقام الأول على المعلومات".
وحققت عملية (حق الشهيد) نجاحًا كبيرًا وانحسر الإرهاب داخل جزء صغير جدًا في أقصى الشمال الشرقي من سيناء، وتم تدمير عدد كبير من البنية التحتية للعناصر الإرهابية التي كانت تساعدهم (الإنفاق ومناطق تخزين الأسلحة والوقود ومواد الإعاشة ومناطق التدريب)، كما استطاعت قوات إنفاذ القانون تدمير نسبة كبيرة من الأنفاق الحدودية، وهو ما أدى إلى قطع الإمداد على العناصر الإرهابية.
وبعد نجاح قوات (إنفاذ القانون) في تطهير المحافظات المصرية من العناصر الإرهابية شهدت تلك المحافظات عملية بناء وتعمير كبيرة، خصوصًا مدينة "سيناء" التي لم تشهدها منذ تحريرها عام 1973م، ولا قبل ذلك التاريخ؛ لأن الدولة المصرية قررت مواجهة الإرهاب بسلاح التنمية إلى جانب القوة العسكرية والأمنية.
وبعد أن انتصرت مصر على الإرهاب، وجمعت ملفا كاملا حول المتورطين في تمويل عناصر الإرهاب، عملت على تجديد الخطاب الديني لقطع الطريق على مؤيدي التنظيمات الإرهابية من ضم عناصر جديدة إليهم، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تروجها الجماعات والتنظيمات الإرهابية، لتستطيع مصر أن تنتصر على الإرهاب وتحقق ما لم تحققه الدول الكبرى في هذه المعركة.
*التجربة المصرية في الجنوب العربي
بعد أن استعرضنا بإيجاز (التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب)، وكيفية نجاحها، سنحاول أن نسقطها على الجنوب العربي.
تتكون دولة الجنوب العربي من سبعة محافظات أغلبها ذو مساحة كبيرة، وجبال كثيرة، لكنها تعتبر أسهل، مقارنة بدولة مصر.
ويعتبر الجنوب قد أنجز عدداً من الخطوات منها: تفويض الشعب الجنوبي المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، وتشكيل قوات جنوبية لمكافحة الإرهاب، ووضع مجموعة من القواعد للعمل بها أثناء المواجهة، فإننا نقترح أن يستعين (المجلس الانتقالي الجنوبي) بخبراء مصريين في اصطياد الخلايا النائمة واستئصالها.
ختامًا.. ماذا لو جربنا التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب في الجنوب؟ فلربما إن استفدنا من تجربة مصر العربية في مواجهة الإرهاب سيقلل تكلفة الحرب على الإرهاب، وربما نخرج بأقل الخسائر.